المزيج بين التواضع والعزة بالنفس هو جزء من فلسفة الإسلام. أن يجمع الإنسان في قلبه أخلاق إن وصفت بالكلمات دون السياق ظهرت كأنها متناقضة.
مثلًا إن قلنا إن المؤمنين "رحماء" و "أشداء"، هذه ككلمات تبدو متناقضة، ولكن نحن لا نراها كذلك لأن السياق القرآني فسر ذلك. فالمؤمنون أشداء على الكفار رحماء بينهم. وقد كان رسول الله (ص) أكثر الناس حِلمًا، وهو في نفس الوقت أشدهم غضبًا إذا انتهكت حرمات الله.
كذلك يكون المؤمن مطيعًا وحرًا في الوقت نفسه، قاسيًا وليّنًا، عزيزًا وخاشعًا، سيدًا وعبدا.
في بيان نعي الحـ.ـزب للسيد الأمين، نرى كيف كان خير تمثيل للإنسان القرآني، فقد وصفوه بأنه:
"سيد المقـ/ومة... العبد الصالح"
سيدنا وسيد الأمة في حربها التحريرية ضد الطغيان، وعبدٌ لله بكل ما تحمله العبودية من تضرع وافتقار أمام الله عز وجل. عرفناه مهدّدًا محذِّرًا يضع الجبابرة تحت قدميه، هاتفًا "هيهات منا الذلة"، وعرفناه رحيمًا يقول للمجـ/هدين: "أقبل أقدامكم المنغرسة في الأرض".
وهكذا كان أجداده...
في مقدمة شرح نهج البلاغة يستغرب ابن أبي الحديد جدًا من أن الإمام علي كان يجمع في داخله المتناقضات، فهو فاتك ورحيم، ليّن وشديد، يحكم الدنيا ويزهد فيها.
ولكنه لم يذهب إلى الاستنتاج المنطقي، هو أن هذه الصورة العلوية الجامعة للمتناقضات، التي تضع كل فعل وقول في محله ومقامه، هذه هي صورة الإنسان الكامل كما يريدها القرآن. بل لا يكون الإنسان كاملًا إلا إذا كان هكذا.
جمع الأضداد لذلك قال صفي الدين الحلي في حقه:
جُمِعَت في صِفاتِكَ الأَضدادُ
فَلِهَذا عَزَّت لَكَ الأَندادُ
وهذا بالضبط هو ما مدح به الفرزدق الإمام السجاد وآل البيت، إذ يقول:
هُمُ الغُيُوثُ، إذا ما أزْمَةٌ أزَمَتْ،
وَالأُسدُ أُسدُ الشّرَى، وَالبأسُ محتدمُ
فهو يقول هم الحياة والموت معًا، حياة المؤمنين وموت أعدائهم.