من يتفاعل الآن مع الأحداث هو واحد من ثلاثة:
الأول ينتمي إلى محور المقـ/ومة عقلًا وقلبًا، قد اتضح له الرشد من الغي، ففهم أن المعركة مصيرية وأن من يقودها الآن له خطاب ينبغي أن يتبناه، وقيادات ينبغي أن يثق بها، ورسائل يُسخِّر أضعف إيمانه لنشرها. هؤلاء الذين "أعينهم تفيض من الدمع حزنا" ألا يستطيعوا بذل المزيد.
والثاني ينتمي إلى محور الهيمنة والإبادة، يتابع منابره الإعلامية الناطقة بلسانه ولساننا، ويسعى إلى بث الشائعات والتخذيل. هؤلاء يخضعون للأمر الواقع وينسحقون أمامه ويتماهون معه، وعندما يقول لهم العدو "أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ" فهم له مؤمنون.
أما الثالث، وهم لعلهم الأكثرية، فهم صنف "الجمهور الحكم". هؤلاء كالشعب الذي قيل له أن يجتمع لمبارزة موسى والسحرة فقالوا "لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين". فهم يتابعون لا ليعرفوا أين الحق فينصرونه، وإنما يتفرجون على الأحداث للمتعة والإثارة، ويتّبع الغالب. فإن غلب طرف فترة اتبعوه، وإن بدت لهم أن الكرّة لخصمه اتبعوه هو الآخر.
في ضوء هذا التصنيف، نفهم التحذير القرآني لمن لا يخوض المعركة أن يبدي برأيه في كيفية سيرها، وأن يرى نفسه أقدر من القادة على تصريفها. يقول تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا". ومنهم من يتظاهر بأنه يريد الحرب الشاملة، وأنها هي الطريق الوحيد للنصر بدلًا من استنزاف العدو، وهؤلاء قال الله فيهم: "قد يعلم الله المعوقين منكم والقائلين لإخوانهم هلم إلينا ولا يأتون البأس إلا قليلا". يقول لهم القرآن: يا من تنادون أين القتال؟ القتال أمامكم فلتأتوه إن كنتم صادقين.
هذه الفئة التي تضم "مثقفين" وأصحاب فكر مزعومين، وكثير من العامة، يظنون أنهم يفهمون الأبعاد الاستراتيجية للمعركة بشكل أفضل من القيادات، ويتوجهون بالنصح إلى المقاتلين، ويرسمون الخطط ويحذرون مغبة عدم الاستماع إليهم. وهذا ليس فعل المنتمي بالقلب والروح، وإنما فعل المتكبر الذي لا يخجل من أنه قاعد عن النصرة لسبب أو لآخر، ولا يرى للمقـ/ومة حقًا عليه في النصرة والطاعة والتصديق. بعدما أثبتت الأحداث أن الرأي الذي يُشكَّل من قلب المعركة هو الأصح والأصدق والأنقى. وبعد أن فشلت كل تحليلات أولئك المنظرين في فهم ما يحدث من حولهم.
الأولى الآن أن يعرف كل إنسان أين يقف، وإلى أي صنف ينتمي. فإن كان من المناصرين فليعلم أن للمقـ/ومة دينٌ في رقبته ورقبة الأمة، وليعلم أن تاج الفروض في هذه الفترة هو تبني رأي ورواية وسردية المقـ/ومة والتوقف عن الشقاق وعن الخلاف. لا لأن المقٰ/ومة معصومة من الخطأ، حماهم الله منه، ولكن لأنهم الأقدر على الرؤية والفهم والتحليل والتصرّف بما تمليه مقدراتهم وظروف الميدان.
النصر حليف هذا المحور بإذن الله، ومن يعاديه مهزوم، ومن ينظّر ويتفلسف عليه ويطعن فيه فهو مخذول حسير، والأيام ستثبت ذلك.