لقد أكّد الإسلام على موضوع الوحدة بين المسلمين تأكيداً كبيراً لدرجة أنّنا لا نجد موضوعاً تمّ التأكيد عليه إلى هذا الحدّ بعد نفي الشـرك بالله تعالى، حتّى قيل إنّ الإسلام بُني على دعامتين: كلمة التوحيد وتوحيد الكلمة. وعلى هذا الأساس فإنّ التعدّي على أرواح المسلمين وأموالهم وأعراضهم يعدّ من كبائر الذنوب والمحرّمات في ديننا الإسلامي، كما لا يُجيز الإسلام إهانة معتقدات أيّ دينٍ أو مذهب من مختلف المذاهب الإسلامية.
- الشيخ محمّد هاشم صالحي
***
السؤال: هل صحيح أن الشيعة يسبون السيدة عائشة والصحابة؟ وكيف يمكننا تجاوز هذا الأمر؟ بحثت كثيرًا في هذا الموضوع وأريد ان أعرف رأيكم وشكرًا.
السائل الكريم، هذا سؤال مهم وفي وقت مهم. لأن هذا أوان توحيد الكلمة والتفاهُم. العدو يبذل المليارات لكي لا نعرف من نحن، وأن نظل طوائف يجهل بعضها بعضًا ويذبّح بعضها بعضا.
لعلّك تذكر عندما شوهد القصف الإيراني في القدس أبريل الماضي أن وسائل التواصل ساد فيها رسالة مكررة فحواها "من سبّ حرم الرسول لن يدافع عن مسراه" أو شيء من هذا القبيل. ولو تابعت اللجان الصهيونية المتنكرة وراء حسابات عربية، ستجد أن كثيرًا منها يلعب على نغمة الطائفية ويكرر رسالة يتلقفها الطائفيون عندنا، مفادها أن الشيعة أخطر من الصهاينة إلخ.
ولذلك نجيبك بالمفيد والمتفق عليه عند علماء الشيعة.
كل مراجع الشيعة الكبار حرموا النيل والإساءة إلى أمهات المؤمنين ورموز أهل السنة. يمكنكم مراجعة فتاوى الخامنائي والسيستاني في هذا الموضوع. وسياق هذه الفتاوى مهم أيضًا لأن موضوع السبّ هذا كان تعالى بسبب رواد "التشيع البريطاني" الذين تدعمهم المخابرات البريطانية وتسمح لهم بنشر كل ما يساهم في تأجيج أوار الفتنة.
وأتباع مدرسة أهل البيت يتخذون سيرة الرسول وأهل البيت عليهم جميعًا أفضل الصلاة والسلام مرجعًا، وقد كان الإمام علي يقول لمن يسب أهل الشام، وهم من نازعوه حقه وفرقوا الأمة:
"إني أكره لكم أن تكونوا سبابين، ولكنكم لو وصفتم أعمالهم وذكرتم حالهم كان أصوب في القول وأبلغ في العذر، وقلتم مكان سبكم إياهم. اللهم احقن دماءنا ودماءهم، وأصلح ذات بيننا وبينهم، واهدهم من ضلالتهم حتى يعرف الحق من جهله ويرعوي عن الغي والعدوان من لهج به"
يقول هذا وهم عدو يرفعون في وجهه السيوف. فالسب مكروه منهيّ عنه في تلك الحال، فكيف بأمهات المؤمنين؟
بالنسبة لأمهات المؤمنين ننصح بقراءة كتاب الشيخ حسين الخشن "أبحاث حول السيدة عائشة: رؤية شيعية معاصرة"
يقول العلامة الآلوسي صاحب التفسير الشهير روح المعاني، والعلامة الآلوسي من أبرز علماء أهل السنة المتأخرين وعلماء المسلمين عموما: «ونُسب للشيعة قذف عائشة -رضي الله عنها- بما برَّأها الله تعالى منه وهم ينكرون ذلك أشد الإنكار وليس في كتبهم المعوَّلّ عليها عندهم عينٌ منه ولا أثر أصلا، وكذلك ينكرون ما نُسب إليهم من القول بوقوع ذلك منها بعد وفاته -صلى الله عليه وسلم- وليس له أيضا في كتبهم عين ولا أثر.» [المصدر: روح ﺍﻟﻤﻌﺎﻧﻲ]
أما عن الصحابة، فلا بد أن تفهم أولًا أن موقف الشيعة هو أنهم لا يعطون "شيكًا على بياض" لكل إنسان رأى النبي أنه عدْل. ودون الإكثار من المرويات، نرجوك أن تقرأ سورة آل عمران وترى كيف خاطب الله أهل بدر وهم الصفوة والسابقون السابقون، وقوّمهم وانتقد أفعالًا بدرت من بعضهم. وكيف نزل بكشف المنافقين وسكت عن بعضهم (لا تعلمهم نحن نعلمهم)، وآية "إن جاءكم فاسق بنبأ" نزلت في صحابي هو الوليد بن عقبة (بإجماع السنة والشيعة معًا).
ومذهب عدالة الصحابة كان ولا يزال سائدًا في الأوساط السنية ولكن العقلاء من المعاصرين صاروا ينتقدونه بشدة (انظر كتابي الشيخ حسن بن فرحان المالكي: "الصحبة والصحابة" و "موقف الصحابة في فتنة عثمان"، وحلقاته "عدالة الصحابة في القرآن الكريم" على يوتيوب". وانظر أيضًا حلقات "معاوية في الميزان" للدكتور عدنان إبراهيم).
والخلاف في تقييم الشخصيات أمر يؤخذ فيه ويُرد، طالما كان الحوار عن علم. وهذا المقطع من مقابلة مع الشيخ أحمد سلمان يعرض وجهة النظر هذه بوضوح:
والآن انظر إلى غزة، هذه مساجدها تُقصف ومسلمها يُقتل ويشرد ومصاحفها تُحرق. وهذا مسرى النبي يمتهن ويقتحم. أين أولويات الأمة؟ من يركز على "سب الشيعة" (وهو افتراء) أو انتقادهم لبعض الصحابة (وهو مجال للنقاش) ويترك العدو في أرضنا المباركة دون أن ينال منه ولو بكلمة، هل هذا حقًا ينتصر للإسلام؟
منذ أسابيع نشرت المقاومة مقطعًا لعملية قنص، ارتدى فيها المجاهد شارة القسام والسرايا معًا لأن العملية مشتركة.. هذا هو الإسلام كما ينبغي أن يكون، خلاف لا يفسد الود، ويد واحدة دون الناس، وسيف موجّه نحو العدوّ المشترك.
انتهى