يقول الله تعالى: "إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ" ﴿البقرة: ١٥٨﴾
وكل مسلم يعلم أننا نطوف بالصفا والمروة اقتداءً بهاجر، أم إسماعيل وجدة نبينا (عليهم جميعًا الصلاة والسلام) إذ كانت وحيدة في الوادي ونفد ما عندها من ماء، فطافت بين الجبلين باحثة عن ماءٍ لرضيعها.
فلماذا جعل الله طوافها هذا من شعائره؟
الإجابة من شقين. الشق الأول كما يقول علي شريعتي في كتابه العظيم "الفريضة الخامسة"، هو أن الإسلام أتى ليجعل الناس سواسية، فلا يستكبر رجل أن يتبع امرأة، ويقتدي بها ويتعبد بتقليدها. ولا يستكبر حرٌ ولا عزيز ولا سلطان كائنًا من كان أن يقتدي بأَمَة ضعيفة فقيرة وحيدة.
الإسلام يعلّم الإنسان أن التفاضل بالتقوى واليقين بالله "الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ". والطواف إذن درس في التواضع والإذعان. وأن العلوّ لا بشرف النسب وإنما بالتقوى.
أما الشق الثاني في حكمة جعل الطواف من شعائر الله، فهو أن هذا الطواف رمزٌ مكثّف لما يريده الله من الخلق. فمهما كنت عزيزًا عليه، ومهما كنت مقربًا منه، لا بد لك أن تسعى.
كان لا بد لمريم (ع) أن تهز النخلة:
وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا ﴿مريم: ٢٥﴾
وكان لا بد لأيوب (ع) أن يركض:
ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَـٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ ﴿ص: ٤٢﴾
وكان لا بد ليونس أن يسبّح:
فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ ﴿١٤٣﴾ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴿الصافات: ١٤٤﴾
الإسلام يقدّس العمل، والسعي، وقرع الباب مرة واثنين، حتى ست مرات تحاول هاجر وتفشل، وتدور وتعود إلى نفس المكان، ولا يفجر الله لها زمزم إلا في المرة السابعة. في السعي الأخير لم يأتها الماء بجهدها، ولكنه أتاها جبريل من السماء ليفجّر البئر.
يقول شريعتي: "هذا هو الدرس: لكي تحصل على الماء فبالحب لا بالجهد، لكن بعد الجهد. إنك لا تستطيع أن تتقرب منه بقوة جهدك، لكن عليك أن تستفرغ ما في وسعك. السعي أن تبذل ما في وسعك، لا من أجل نفسك فقط، لكن من أجل الآخرين أيضًا"
السعي مفتاح المعجزة.
وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ ﴿النجم: ٣٩﴾