Sacrifice
تضحية

عندما حكى الله قصة إبراهيم عليه السلام في سورة الشعراء، ذكر لنا دعوته، ومنها {ولا تخزني يوم يبعثون ‎* يوم لا ينفع مال ولا بنون ‎* إلا من أتى الله بقلب سليم‎}

إبراهيم حينئذ لم يكن لديه مال ولا بنون، فهو يقول هذا وهو فتى لم يتعرض للاختبار بعد، فكأنه أعلن عن نيته هذه كما يعلن واحدنا، {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ}،

ثم ابتلاه الله مرتين بعد ذلك بعشرات السنين، هل يصدق مع الله؟

مرة بإسكان أهله في مكان قفر
ثم مرة بذبح ابنه الوحيد

فصدّق الله في المرتين دون تردد وضحى. ولذلك وصفه الله بأنه {صديقًا نبيًا}
.
والتضحية يبدو أنها هي الإسلام نفسه، التضحية من أجل ما عند الله. أن الإنسان يضحي بوقته ليصلي، ويضحي بماله يتصدق ويتزكى، ويضحى بالكِبر ليذعن الله ويحسن للخلق وإن أساءوا، ويظل الله يبلوه بالتضحيات حتى يعلمه صادقًا صابرا:
{أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} ‎﴿آل عمران: ١٤٢﴾‏

ومثلما يقول العزيز @hassanomar_99 في تدبره لقصة الذبيح “فإذا أردت أن تصعد درجات المعرفة الإلهية، انظر إلى أعز ما تملك، أثمن شيء في قلبك يشغلك عن الله ثم اذبحه! انحره! ومن ثم ترتقي! إفالطريق من أجل الحق وعر وشائك، ومن أجل الدفاع عن هذا الحق، على أهله أن يكونوا مستعدين لبذل أغلى ما يملكون.”

وانظر كيف كثّف الله هذه المعاني كلها في آيات ثلاثة من الصافات، المنحة، الابتلاء، الإسلام:

{فبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ}
‏{فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ ۚ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ}‎
{فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ}

{فبشرناه} {أرى..إني أذبحك} {أسلما}

والأمر كله ملاكه القلب.

فإبراهيم إذ سعى إلى الله أخلص بقلبه:
{وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ *‏ إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}

وإذ دعا إلى الله أيقن أن الفلاح لا يكون إلا بسلامة القلب:
{يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ *‏ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}

وأكد على كلامه الله عز وجل
{هَـٰذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَّنْ خَشِيَ الرَّحْمَـٰنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ}
.
وكل من في هذه الدنيا يفقد، ولكن ليس كل الفقد تضحية، فانظر أي الناس تكون.

تاريخ النشر 14-06-2024