(It was not you who threw a handful of dust) but it was Allah Who did so
وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ

﴿فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا إن الله سميع عليم﴾

نقل ابن عاشور في تفسير هذه الآية ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله، أنه قبل غزوة بدر أتاه جبريل فقال: خذ قبضة من تراب فارمهم بها، فأخذ حفنةً من الحصباءِ فرمى بها المشركين ثم قال: شاهت الوجوه. ثم أمر أصحابه بالهجوم، فكان النصر معهم.

هذه الآية كم سمعنا جنود الله يتلونها قبل تسديد قذائفهم على العدو؟ والمعنى الذي يتبادر لأذهاننا أنه الرمي بمعنى الضرب والقصف، كأن الآية تقصد الرمي الفعلي بالسهام وما شابهها.

وهذا المعنى الأخير ليس بمستبعد، بل هو الأقرب لما نراه بأعيننا. ولكن المعنى الآخر (أي رمي الحصباء) أدق وأبلغ. ألا ترى أن قذائفهم المباركة ما هي إلا “حصباء” صنعت بأدوات بدائية في قلب الأنفاق، فإن رموها دكّ الله بها “قبة حديدية” صنعت في أكثر مصانع السلاح تطورًا، وبتكلفة قدرها عشرات المليارات من الدولارات، فأنت أمام جيش ليس جيد التسليح فقط، بل هو من أكثر الجيوش تسليحًا في التاريخ الإنساني كله، ومن أكثرها تعطشًا للدماء والإفساد في الأرض، ولكن ﴿إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون﴾

وآية الرمي ومثيلاتها تعلمنا درسًا في الإيمان بأن الفاعل الحقيقي ليس المقاتل، وإنما خالقه، وأنه إن أخلص لله وأعاره جمجمته، فلا غالب له، وله الأجر العظيم. وقد شاءت حكمة الله في مواطن كثيرة ألا يأتي النصر بالخوارق المهلكات ﴿ولو يشاء الله لانتصر منهم﴾، ولكنه كي يكرّم جنوده جعلهم أسبابًا للمشيئة الإلهية، وأجرى عذابه على أيديهم ﴿قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين﴾

وتأمل كيف جعل الله الكافرين في هذه الآية مفعولًا به، لا حيلة لهم ولا قوة: يقاتلون، ويعذبون، ويخزون، ويهزمون، ويُشفى بذلهم كل مؤمن.

﴿والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون﴾

تاريخ النشر 26-05-2024