إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهيرًا

من هم أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا والذين نصلي عليهم في كل صلاة والذين أمرنا الرسول صلى الله عليه وآله بالتمسك بهم كي لا نضل من بعده؟

الرأي الأول: مفهوم أهل البيت مفهوم واسع ويشمل أفرادًا كثيرين، وهم بنو هاشم وبنو المطلب وزوجات النبي (وبنو هاشم يشمل آل علي وآل العباس وآل جعفر وآل عقيل وآل الحارث).

الرأي الثاني: مصطلح أهل البيت يشمل أفراد معينين لا يدخل فيه غيرهم. المنشور يوضح هذا الرأي.

****
لقد اختُصَّ أهل البيت النبوي الشريف بمزايا عظيمة، ومكانة عالية رفيعة، وفضائل لا تُحصى ذُكِرت في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة. ومن أهم ما ذُكِر في حق أهل البيت عليهم السلام ما يلي:

مودّتهم أجر الرسالة (قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)

تطهيرهم من الأرجاس (إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهيرًا)

وجوب التمسك بهم كي لا نضل (إنّي تاركٌ فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلوا، كتاب الله عزّ وجل وعترتي أهل بيتي، وأنّهما لن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض)

جعل الصلاة عليهم جزءًا لا يتجزأ من عمود دين كل مسلم (قالوا: يا رسولَ اللَّهِ أمرتَنا أن نصلِّيَ عليكَ وأن نُسلِّمَ عليكَ فأمَّا السَّلامُ فقد عرفناهُ فَكيفَ نصلِّي عليكَ؟ قالَ: قولوا اللَّهُمَّ صَلِّ علَى مُحَمَّدٍ وعلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كما صَلَّيْتَ علَى إبْرَاهِيمَ وعلَى آلِ إبْرَاهِيمَ؛ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ علَى مُحَمَّدٍ وعلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كما بَارَكْتَ علَى إبْرَاهِيمَ وعلَى آلِ إبْرَاهِيمَ؛ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.)

هم سفينة النجاة قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (ﷺ): (إِنَّمَا مثل أهل بَيْتِي فِيكُم كَمثل سفينة نوح من ركبهَا نجا)، وَفِي رِوَايَة مسلم (ومن تخلف عَنْهَا غرق). ذكر الهيثمي في الصواعق المحرقة أن هذا الحديث جاء من طرق عديدة يقوي بعضها بعَضًا.

هذا غير تخصيص أفراد أهل البيت كل على حدة بفضائل لم ينلها غيرهم. ففي آية المباهلة قال سبحانه {فَقُلْ تعالوا نَدْعُ أبناءنا وأبناءكم} فدعى النبي ﷺ الحسن والحسين {ونساءنا ونساءكم} فدعى النبي فاطمة {وأنفسنا وأنفسكم} فدعى النبي عليًّا. جعل النبي ﷺ عليًّا عليه السلام في مقام نفسه. ونجد هذا الاقتران أيضا بين الرسول ﷺ وفاطمة عليها السلام حيث يقول ﷺ: «فاطمة بضعة منّي» وليس المراد بذلك أنها ابنته فقط ولذلك قال: «يؤذيني ما آذاها» لأنَّها كانت منه بمنزلة الروح من الجسد. وقال: «حسين مني وأنا من حسين». وهذا الاقتران بين النبي ﷺ وآله يحمل دلالات فكرية وروحية مهمة إذ المسألة ليست مسألة قرابة، بل إشعار رباني بالوجود الامتدادي في حركة الرسالة التي يمثلها أهل البيت بما حباهم الله من خصائص وإمكانات تؤهلهم لذلك.

الإشكال

رغم هذا التخصيص والاهتمام والعناية التي أحيط بها أهل البيت عليهم السلام إلا أن تحديد من هم المعنيّون بهذا المصطلح المحوري لا يزال محل اختلاف. اختلف المسلمون في تحديد

(1) من المشتمل بهم
(2) ما هي خصائصهم
(3) وماذا يترتب على هذه الخصائص

أهمية الموضوع

لا يمكن المرور على الآيات والأحاديث في فضائل أهل البيت مرور الكرام أو الاقتناع بتفسير أنها تنطلق من منطلق قبلي أو عاطفي. فالرسول ﷺ الذي لا ينطق عن الهوى والذي يقول (لا فضلَ لعربيٍّ على عجميٍّ، ولا لعجميٍّ على عربيٍّ، ولا لأبيضَ على أسودَ، ولا لأسودَ على أبيضَ، إلَّا بالتَّقوَى) لا يمكن أن يخصّ أهل بيته ويحث على اتباعهم مرارًا وتكرارًا انطلاقًا من كونهم قرابته ومن صلبه فقط، لا بد أن محبة واتباع هؤلاء الصفوة الطاهرة له اعتبار خاصّ في موازين الرّسالة وحساباتها، فنحن نتحدث عن سفن النجاة ومن التمسّك بهم يعصمنا من الضلال. فمن هم؟ وما هي مؤهلاتهم؟

أهل البيت لغة واصطلاحًا

معنى لغوي ومعنى اصطلاحي
في اللغة العربية للكلمة معنى لغوي ومعنى اصطلاحي. فالصلاة مثلًا في المعنى اللغوي الدعاء، وفي المعنى الاصطلاحي الشرعي العبادة المعروفة. عندما يقول الله تعالى (وَأَن أَقيمُوا الصَّلاةَ وَاتَّقوهُ وَهُوَ الَّذي إِلَيهِ تُحشَرونَ) المقصود الصلاة الاصطلاحية وليس الصلاة بالمعنى اللغوي بمعناها الواسع الذي يشمل كل دعاء.

المقصود بأهل البيت المعنى الاصطلاحي وليس اللغوي
أهل بيت الرجل قد يشمل في اللغة عُصْبته ونساءه وبقية أقاربه، ولكن المقصود بأهل البيت في الآيات والأحاديث الشريفة هو المعنى المصطلح وليس المعنى اللغوي (إلا بقرينة واضحة تدل على إرادة المعنى اللغوي). فقد جعل النبي ﷺ هذا المصطلح مصطلحاً خاصاً لأناس معينين لا يدخل فيه غيرهم (تمامًا كما جعل الصلاة مصطلحًا لعبادة خاصة) وهم أصحاب الكساء الخمسة: فاطمة وعلي، والحسن والحسين عليهم السلام:

دليل 1: آية التطهير
عند نزول آية التطهير قام النبي ﷺ بتجليلهم بكساء وهو يقول: "اللهم هؤلاء أهل بيتي". )صحيح مسلم، الترمذي، مسند أحمد بن حنبل، مستدرك الحاكم(

دليل 2: آية المباهلة
عند نزول آية المباهلة أحضر النبي ﷺ عليًّا وفاطمة والحسن والحسين وقال: "هؤلاء أهلي". (صحيح مسلم، الترمذي، النسائي، مسند أحمد بن حنبل، الطبري)

دليل 3: آية المودة في القربى
سُئل الرسول عند نزول آية المودة في القربى: يا رسول الله مَنْ قرابتك هؤلاء الذين وَجَبَتْ علينا مودَّتهم؟ قال ﷺ: علي وفاطمة وابناهما. (فضائل الصحابة لابن حنبل، مناقب ابن المغازلي، المعجم الكبير للطبراني، فرائد السمطين للجويني)

إضافة إلى أصحاب الكساء، يشمل مصطلح أهل البيت عند الإمامية الأئمة التسعة من أبناء الحسين وهم: علي زين العابدين ومحمد الباقر وجعفر الصادق وموسى الكاظم وعلي الرضا ومحمد الجواد وعلي الهادي والحسن العسكري ومحمد المهدي (المهدي المنتظر). إذن فمصطلح أهل البيت عند الإمامية يشمل فاطمة الزهراء والأئمّة الإثني عشر عليهم السلام:

دليل 1: قال الرسول ﷺ إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش. وفي رواية أخرى "كلهم من بني هاشم".

دليل 2: قال الرسول ﷺ "لَتُمْلَأَنَّ الأرضُ ظلمًا وعدوانًا، ثُمَّ لَيَخْرُجَنَّ رجلٌ مِنْ أهلِ بيتِي، حتَّى يملأَها قِسْطًا وعدلًا، كما مُلئَتْ ظلمًا وعدوانًا". يتفق جميع المسلمين على ظهور المهدي في آخر الزمان وأن اسمه محمد وهو من ذرية النبي. السنة يعتقدون أنه لم يولد بعد أما الشيعة فيعتقدون أنه هو محمد ابن الحسن العسكري الإمام الثاني عشر وأنه قد وُلِد ولا يزال حيّاً وسيظهر في آخر الزمان، وهناك بعض من علماء أهل السنة الذين يوافقونهم في ذلك. الجدير بالذكر أن جميع الأديان بما فيها اليهودية والمسيحية بشّرت باثني عشر إمام من أهل بيت خاتم الرسل وهذا ما عُثر عليه في النصوص العبرية للعهد القديم "التوراة" والجديد "الإنجيل" رغم التحريف الذي اعتراهما. يقول الباحث المصري سعيد أيوب في كتابه عقيدة المسيح الدجال في الأديان: "ومعلوم أن مصداق الأئمة الإثنى عشر من صلب إسماعيل لم يتحقق بالصورة المتسلسلة المشار إليها في البشارات السماوية إلا في الأئمة الاثنى عشر من أهل البيت".

إن سنّة الله تعالى في الرسل أن جعل من بعدهم أوصياء يشرحون للناس رسالات السماء حتى لا تُصاب الرسالات بتحريف المحرِّفين وتأويل المُأوِّلين ولتكون لله تعالى على الناس الحُجّة البالغة، لذا جعل الله لكل الأنبياء أوصياء لفترة من الزمن، فقد جعل لموسى اثني عشر نقيباً، وجعل لعيسى اثني عشر حواريّاً، وجعل لرسول الله ﷺ اثني عشر إماماً وصيّاً، هؤلاء الأئمة هم مصابيح الدجى، لكن الناس قتلوهم واحداً بعد واحد! لذلك أخفى الله آخر إمام خوفاً عليه، وحباً للناس لكي يهتدوا به حين تتوفر الظروف لذلك، وبالتأكيد لحِكَم أخرى نجهلها، تماماً كما فعل بآخر أنبياء بني إسرائيل عيسى عليه السلام حين رفعه بعد أن كادوا يصلبوه، وقد بيّنت لنا الروايات بأنه سيعود في آخر الزمان مع ظهور الإمام المهدي فيقاتل معه ويصلّي خلف خاتم أوصياء سيد الرسل أجمعين ﷺ.

ما الذي يميز أئمة أهل البيت عليهم السلام؟
أئمة أهل البيت هم أئمة مطهّرون معصومون ينساب نور رسول الله ﷺ في كل نفس من أنفاسهم ويقي اتّباعهم هذه الأمّة من الانحراف والزّيغ والضّلال. فقد جعلهم الله تعالى ميزاناً لمعرفة الحق والباطل، وعدلاً للقرآن وترجماناً له، ومرجعاً للأمة في حلّ الاختلاف، وصرّح رسول الله ﷺ مراراً بأن التمسك بالقرآن وبهم معاً أمان من الفرقة والضلالة بعده.

بعض الأدلة على العصمة

1 - حديث الثقلين: قال رسول الله ﷺ (إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلوا، كتاب الله عز وجل وعترتي أهل بيتي، وأنّهما لن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض). في هذا الحديث أوجب النبي الأكرم التّمسّك بالكتاب المجيد والعترة، وأخبر أنّ التّمسّك بهما معًا عاصمًا من الضلال، ومن يُحتمل ارتكابه للذنب ووقوعه في السّهو والنسيان والخطأ يستحيل أنْ يأمر الله تعالى ونبيّه ﷺ بالتّمسّك به. فهؤلاء الأئمة لو لم يكونوا معصومين لجاز أنْ يكون المتمسّك بهم ضالًّاً، وبما أنّ النبي ﷺ أمر بالتّمسّك بهم على نحو الإطلاق وبدون قيد أو شرط دلّ ذلك على هداية المتمسّك بهم مطلقًا، ومن كان التمسّك به هداية دائمًا فهو معصوم. إضافة إلى ذلك فإنّ النبي ﷺ أخبر في هذا الحديث عن عدم افتراق عترته عن الكتاب المجيد وذلك في قوله: «ولن يتفرّقا حتّى يردا عليّ الحوض»، وظاهر هذا القول أن أهل البيت كالقرآن، فكما أن القرآن معصوم لقوله تعالى: (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه) وكذلك الحال بالنسبة لأهل البيت وهم الثقل الأصغر الذين اقترنوا بالقرآن وأكد النبي أنهم لا يفترقون عنه إلى أن يردوا عليه الحوض، ولأنّهم أعلم بظاهر وباطن آيات كتاب الله، وبمحكمه ومتشابهه ومطلقه ومقيّده وخاصّه وعامّه وناسخه ومنسوخه، فهم لا يفارقونه لا في قول ولا فعل، وصدور أيّة مخالفة منهم لأحكام الدّين يعتبر افتراقًا عن الكتاب المجيد، فدلّ ذلك على أنّهم لا يرتكبون شيئًا مما هو مخالف لتعاليم الدين، وإذا كانوا كذلك كانوا معصومين.
(الشيخ حسن العجمي)

2- حديث السفينة: قال النبي ﷺ «مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها هلك». ولا شكّ أنّ التخلّف عن أهل البيت حال خطئهم لا يعدّ هلاكًا، والنبي ﷺ جزم بأنّ النّجاة في اتّباعهم والهلاك في التخلّف عنهم، فدلّ ذلك على أنّهم لا يُخطئون، وإذا كانوا كذلك فهم إذًا معصومون.

3- آية التطهير: (إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهيرًا)

آية التطهير

سبب النزول وتوقيته: الثابت أنّ آيات القرآن الكريم لم تُرتَّب بحسب التسلسل الزمني لنزولها وقد أجمع أهل النقل من المسلمين كافّة أنّ آية التطهير قد نزلت لوحدها منفردة دون ما قبلها وما بعدها. نزلت آية التطهير قبل سورة الأحزاب بست شهور وسورة الأحزاب نزلت ضمن آخر السور بعد اكتمال عدد نساء النبي ﷺ. فمن هنا يبطل القول بأن السياق يحتّم بأنها نازلة في خصوص النساء؛ لنزولها منفردة ولورود سبب نزول صحيح عند الجميع، وهو: أنّها نزلت في أصحاب الكساء وأن الرسول اشتمل بالكساء على فاطمة وعلي والحسن والحسين فقال: "اللهم هؤلاء أهل بيتي وحامتي لحمهم لحمي دمهم دمي" وفي رواية جاءت أم سلمة وقالت: أنا معكم يا رسول الله؟ قال: "أنتِ بمكانك وأنتِ على خير". جاء في مسند أحمد، عن أم سلمة أن رسول الله ﷺ قال لفاطمة ائتيني بزوجك وابنيك، فجاءت بهم فألقى عليهم كساء فدكياً، قالت: ثم وضع يده عليهم ثم قال: "اللهم إن هؤلاء آل محمد فاجعل صلواتك وبركاتك على محمد وعلى آل محمد إنك حميد مجيد". قالت أم سلمة فرفعت الكساء لأدخل معهم فجذبه من يدي وقال: إنك على خير.

قرينة عامة وقرينة خاصة: السياق قرينة، ولكنه قرينة عامة ومناسبة النزول قرينة خاصة. والقرينة الخاصة تُقَدَّمْ على القرينة العامة إذ لا يمكن فصل الآية عن سبب النزول. ولا يجوز الاستدلال بالسياق القرآني وحده مع وجود نص صحيح صريح وسبب نزول بخلافه، وبما أن علماء اللغة وعلماء الأصول يقولون بأن السياق من القرائن العامة ومناسبة النزول من القرائن الخاصة والقرينة الخاصة حاكمة على القرينة العامة، فإن مناسبة نزول آية التطهير في أصحاب الكساء هي الحاكم على السياق.

الحصر والعصمة: إنما في اللغة العربية تدل على الاختصاص والحصر. وفي قوله تعالى: (إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهيرًا) يتجلّى لنا بأنه حصر لمسألتان، الأولى حصر الإرادة (إنما يريد) يعني لغوياً أنه لا يريد غير هذا، والثانية حصر موضوع الإرادة في فئة وصفهم بـــ (أهل البيت). فما الذي يريد الله تعالى حصره وتخصيصه لأهل البيت في هذه الآية؟ ظاهر الآية يبيّن أنه يريد إذهاب الرجس عنهم والرجس هو الذنب وإذهاب الرجس المقترن بالتطهير التام لا معنى له إلا العصمة. فإذا كانت الآية تشمل نساء النبي لكان معناها أن نساء النبي ﷺ معصومات ولم يقل أحد من المسلمين بعصمة امرأة من نساء النبي ﷺ. فإذا كانت آية التطهير تدل على العصمة والعصمة لا تنطبق على نساء النبي ﷺ نحن مضطرون أن نقول إن أهل البيت غير نساء النبي ﷺ. ومن الدلائل القرآنية حول مفهوم العصمة ما قصّه الله تعالى علينا في القرآن عن إبليس حين قال: (قال فبعزّتك لأغوينّهم أجمعين * إلا عبادك منهم المُخْلَصين)، فمن هؤلاء الذين استدرك إبليس نفسه بعد قوله: (لأغوينّهم أجمعين) ثم استثنى قائلاً (إلّا عبادك منهم المُخلَصين)؟ ألا يُفهم من هذا القول بأن هناك فئة مستثناة من عباد الله المعصومين الذين لا يستطيع الشيطان نفسه إغواءهم؟ إنهم أنبياء الله وأوصياؤهم الذين اصطفاهم الله لهداية الناس في كل عصر.

عنوان «أهل البيت» لا يصدق على الزوجة: المراد بعنوان «أهل البيت» هو من كان الرابط بينه وبين البيت رابطاً رحمياً، ولذلك ورد عن زيد بن أرقم: هل أن الزوجة من أهل بيت الرجل؟ قال: «المرأة بيته وليست من أهل بيته؛ لأن الزوجة تكون مع الرجل برهة من الدهر ثم يفارقها»، إذن فأهل البيت هم من يجمعك معهم لحمة النسب. ولذلك القرآن يطلق على الزوجة (أهله) كقوله تعالى: (إذ رأى نارا فقال لأهله امكثوا إني آنستُ نارا) ولا يطلق على الزوجة أهل بيت الزوج إلا واحدة وهي سارة زوجة نبي الله إبراهيم عليه السلام. فقد عبّر عنها القرآن بأنها من أهل البيت في قول الله تعالى: (رَحمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيكُم أَهلَ البَيتِ) لأن سارة كانت مع إبراهيم من جد واحد فهي ابنة عمّه ويجمعها به لُحمة النسب. كما أن الله تعالى شرّفها بأن تنجب الذرّية النبوية الصالحة. والروايات متواترة وصريحة في أنَّ نساء النبيِّ ﷺ لم يكنَّ مشمولات في الآية المباركة وإلا فلا معنى لاستبعاد أمِّ سلمة وتنحيتها وهي من خيرة نساء النبيِّ.

تغيّر الضمير: كان الضمير ضمير نسوة ثم تحوّل إلى ضمير مُذكّر. فقوله تعالى: ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ) إلى آخر الآية خطابٌ بضمير جمع المؤنَّث ثمّ انتقل الخطاب بعدها في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾ إلى الخطاب بضمير جمع المذكَّر، ثمّ عودة الخطاب بعد هذه الآية بضمير جمع المؤنَّث مرَّةً أخرى في قوله تعالى: ﴿وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ..﴾، ومنه يتَّضح أنّ المخاطَب بضمير جمع المذكَّر غير المخاطَب بضمير جمع المؤنَّث. ويبطل القول بأنّها نازلة في الاثنين معًا أي النساء وأصحاب الكساء وذلك لعدم ذكرهنّ في سبب النزول، وعدم إدخال النبيّ ﷺ لأمّ سلمة مع طلبها لذلك، على الرغم من فضيلتها التي لا تنكر.

البيت مقابل البيوت: عندما خاطب الله تعالى نساء النبي قال لهن: (وقرن في بيوتكن) فكل امرأة لها بيتها الخاص (أو حجرتها الخاصة). لكن لمّا جاء حديثه في آية التطهير قال تعالى: (أهل البيت) أي البيت الواحد. فأصحاب البيوت يختلفن عن أصحاب البيت. يقول ابن حجر العسقلاني في كتابه فتح الباري: البيت المقصود هو بيت خديجة ولذلك أصحاب الكساء هم ابنتها وزوج ابنتها وأحفادها. وعليه فإن التطهير كان موجّه إلى ساكني بيت معين من بيوت النبي ﷺ وليس إلى كل بيوت النبي ﷺ. (الشيخ أحمد سلمان)

أساليب البلاغة في القرآن الكريم: من أساليب البلاغة في القرآن "الالتفات على نحو الإضراب" (يعني أن تتحدث في معنى ثم تنتقل إلى معنى آخر ومن ثم تعود إلى المعنى الأول) والسرّ البلاغي في ذلك هو أنك لو ذكرت هذا الموضوع ضمن سياق آخر لما كان ليجلب الانتباه. لكن عندما تخترق السياق يكون ما ذكرته في الوسط أكثر جذبًا للانتباه وأكثر ترسيخًا للمعنى لأنه يجعلك تتساءل: لماذا خرجت عن الموضوع ثم عدت إليه؟ من هنا استخدم القرآن هذا الأسلوب في أكثر من 18 موضعًا. مثال: في سورة القيامة (الآيات 6-25) يتحدث سبحانه وتعالى عن يوم القيامة ثم ينتقل بشكل مفاجئ للحديث عن القرآن الكريم ثم يرجع مرة أخرى للحديث عن يوم القيامة. نفس الصورة الموجودة في آية التطهير. تحدّث عن نساء النبي ثم تحدّث عن أهل بيته المطهرين ثم رجع للحديث عن نساء النبي. (العلامة منير الخباز)

الزجر مقابل التعظيم: يلاحظ أن الآيات المرتبطة بالنساء قد وردتْ في سياق الزجر والتحذير، والذي جاء في سياق التطهير هو التعظيم والترفيع والمدح والتفضيل، وفرقٌ كبير بين السياقين، ومنه يُعلَم أنَّ المُخاطَب في السياق الأوّل غير المُخاطَب في السياق الثاني. أهل البيت عليهم السلام ذُكِروا في هذه الآية مدحًا، ورفعًا لشأنهم. قال أبو المحاسن الحنفي في كتابه (معتصر المختصر): "والكلام لخطاب أزواج النبيّ ﷺ تمّ إلى قوله: ﴿وَأَقِمنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ﴾ وقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ﴾ استئناف تشريفاً لأهل البيت وترفيعاً لمقدارهم".

التكرار تبيان وتأكيد: إلى جانب حصرهم من خلال تجليلهم بكساء، قام رسول الله ﷺ بتبيان المقصود من آية التطهير لمدة ستة أشهر بعد نزول هذه الآية حيث كان يمرّ على باب علي وفاطمة والحسنين قبل الشروع في إقامة الصلاة فيقول: (إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهيرًا) وفي رواية أخرى أوردها البخاري في كتابه التاريخ الكبير، عن أبي الحمراء قال: صحبت النبي ﷺ تسعة أشهر فكان إذا أصبح كل يوم يأتي باب علي وفاطمة فيقول: "السلام عليكم أهل البيت (إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهيرًا).

تاريخ النشر 05-10-2023