.
"ب-ي-ن" أصل واحد من معانيه انكشاف الشيء، وبان الشيء وأبان إذا اتضح وانكشف. ومشتقات هذا الجذر كثيرة التردد في القرآن الكريم؛ فقد تكررت الصفة "مُبِين" على سبيل المثال 119 مرة، والاسم "بَيِّن" 35 مرة، و "بَيِّنَة" 71 مرة.
هذا التنبيه ينبغي أن يلفت النظر إلى أن تبيين الحقيقة من مقاصد هذا الدين. فالأمر يبدأ من النبي أو الرسول، إذ جعل الله من أسباب إرسال وحيه أن يتبين النبي كيف يسلك المجرمين:
"وَكَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ"
وبعد الاستبانة يأتي التبيين، أولًا من النبي (ونلاحظ هنا أسلوب القصر والاستثناء، كأن التبيين هو الدور الأوحد):
"وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ"
ثم التبيين ممن آتاهم الله علمه:
"وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ"
والواجب على من أراد سلوك نهج الأنبياء والأولياء، خاصة في عصر ذيوع الأكاذيب والأباطيل، والجيوش المجيّشة من أجل ذلك والملايين بل المليارات التي تُنفق لتضليل البشر (مما لم يشهده أي نبي في حياته من الناحية الكمّية)، أن يَعي أن هذا الدور يقع على عاتقه، أي التبيين للناس، والبحث عن الحقيقة أينما كانت وعدم اتباع الهوى.
هذه الممارسة المستمرة تُسمى "الجهاد بالكلمة" أو "جهاد التبيين". وهدفها إقامة الحجة وكشف الحقائق، وليكون من اهتدى إنما اهتدى عن بَيِّنة، كما قال تعالى "فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ" وليكون من ضل أَيْضًا فإنما ضل عن بينة، مثل قوله تعالى "بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ".
وحامل لواء هذه الرسالة يُعرف في الوقت المعاصر بأسماء شتّى، فيسميه باسل الأعرج رحمه الله "المثقف المشتبك"، ويسميه علي شريعتي "المثقف الأصيل"، أي ذلك الذي يستوعب مشكلات مجتمعه ويتميز بوضوح الرؤية والقرار العقلاني، ودوره هو "نقل الرسالة إلى الجماهير، ومواصلة النداء، نداء الوعي والخلاص والإنقاذ في آذان الجماهير الصماء التي أصيبت بالوقر"
تلك الرسالة النبوية ندرك الآن أهميتها وجيش العدو إذ غزا إخواننا بالآليات غزانا نحن والعالم بالأكاذيب، وأمانة التبيين تحتاج الآن إلى أن يحملها كل منا قدر استطاعته أكثر من أي وقت مضى.