للحديث المعروف "من رأى منكم منكرًا فلْيغيرْه بيده..." فائدة كُبرى في زمننا هذا الذي ينطبق عليها وصف أمير المؤمنين (ع): "دَهْر عَنُود، وَزَمَن كَنُود، يُعَدُّ فِيهِ الُمحْسِنُ مُسِيئاً، وَيَزْدَادُ الظَّالِمُ فِيهِ عُتُوّاً"
فهذا الحديث يُقسّم مهمّة المؤمن في هذه الحياة إلى قسمين
القسم الأول: "من رأى منكم منكرًا"
رؤية المنكَر منكرًا تتطلّب معرفة ووعيًا وبصيرة ذاتية، لأن أول ما يبدأ به المُضِلّون أن يلبسوا الحق بالباطل، ويُخضِعوا الأحكام الأخلاقية لأهوائهم. ولذلك أمر الله بالاعتصام بحبله المتين لكيلا تتفرق بنا الأهواء فتعمى بصيرتنا، وفي الدعاء المأثور "اللهم أرنا الأشياء كما هي". هذا القسم إذًا يختص بالعِلم والتعلّم وإدراك حقائق الأمورالقسم الثاني: "فليغيّره"
لا ينبغي للمؤمن أن يكتفي بالتنظير والتحليل، وإنما يجب عليه شرعًا أن ينتقل من خانة العلم إلى العمل، فإن عرفت المنكَر لم يجُز لك شرعًا أن تتركه وشأنه، بل يجب عليك التفاعُل معه بالمنع باليد، أو النهي باللسان، أو الإنكار بالقلب. وهذا هو عهد الله على العلماء.
ولهذا الحديث ميزة أُخرى أن إسناده يتضمن بداخله مثالًا حيًا على التطبيق العملي للحديث. فقد وصلنا هذا الحديث في أغلب طرقه عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- وهو من أصحاب الإمام علي (ع) من الأنصار الذين شهدوا معه صفين والنهروان، فهو إذن ممن رأى المنكر فقام لتغييره بيده، وعرف الحق فناصره.
يُروى حديث "فليغيره" بنهاية هي الأشهر "وذلك أضعفُ الإيمانِ"، لكننا نريد أن نلفت النظر إلى نهاية أخرى صحيحة أيضًا وأشد في التنبيه، ألا وهي: " وليس وراءَ ذلك من الإيمانِ مثقالُ ذرةٍ"، فكأنه جعل رغبة الإنسان في الإصلاح هي الفيصل بين الإيمان وغيره، ومن لم يُصلح أو على الأقل ينوي الإصلاح فليس من الجماعة المؤمنة في شيء.