تقول العرب "لكل امرئ من اسمه نصيب". ومع أن هذه المقولة تنسب أحيانًا إلى النبي (ص)، إلا أنها ليست له، ولكن سُنّته كانت الاعتناء بالأسماء والأمر بحسن تسمية الأبناء، بل كان يغيّر الأسماء المنفّرة إلى أخرى أجمل.
وعلى مستوى الجماعات، تُعد هذه الحكمة كاشفة للغاية، لأن الأسماء الذي يختارها الآباء في جيل معيّن تعكِس شواغل هذا الجيل وتطلّعاته ومُثُله العليا. فعلى سبيل المثال، كان العرب في الجاهلية يتعمدون تسمية أبنائهم بأسماء منفرة مثل صخر وكلب وحنظلة، بينما يسمون عبيدهم بأسماء جميلة مثل ميسور ونجاح، والسبب كما يقول القائل " إنما نسمي أبناءنا لأعدائنا، وعبيدنا لأنفسنا"، وفي هذا دلالة على التناحر الذي يسود هذا المجتمع، وأنه مجتمع يقدّس القوّة. أما إذا نظرنا إلى المواليد في فجر الإسلام لوجدنا كثرة الأسماء التي تأثرت بالدين الجديد كعبد الله (بن الزبير) وعبد الرحمن (بن أبي بكر) ومحمد (بن عليّ).
وكذلك عندما نطالع أسماء شهدائنا في فلسطين ولبنان، نستطيع أن نكوّن تصورًا عن تطلّعات هذا الجيل، فكثير منهم يحملون أسماء مدن فلسطينية وعربيّة مثل "قدس" و "شام"، وكثيرٌ من يحملون أسماء الأنبياء والصحابة وآل البيت، وأسماء تتفاءل بالمستقبل مثل "نصر" و "انتصار" وغيرها، إضافة إلى الأسماء الجميلة المستقاة من الطبيعة مثل "رُبى" و "بيلسان" و "أريج". واختيار الأسماء العربية الأصيلة والمرتبطة بثقافتنا هو نمط لا يزال حاضرًا بقوة، لكنّ في مقابله هناك ظاهرة جديدة نسبيًا تتمثل في الميل إلى اختيار الأسماء الأجنبية وتحري الغريب وغير المألوف منها، مما يعدّ تجليًا لنزعة التغريب والفردانية وتفكك الإحساس بالانتماء داخل مجتمعاتنا، ولذلك يمكننا بحق أن نقول إن "لكل مجتمع من أسمائه نصيب".