هذا المنشور يناقش أهمية قراءة النص في ضوء سياقه وفي ضوء النصوص الأخرى، ويوضح أن ترجمة عبارة واحدة من بضع كلمات هي عملية ليست بالبسيطة.
فالكلمة الأولى "أعِر" فيها وحدها اختيارات عدة، وكلها صحيح ومناسب وفقًا للجانب الذي يريد المترجم إبرازه
تشبه قول الأفوه الأودي: "وحياة المرءُ ثوبٌ مستعارُ"، وإعارة الله ذكرت في القرآن الكريم بمعنى الإنفاق في سبيل الله "مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا"، وعندئذ قد يختار المترجم كلمة "lend" حفاظًا على لفظ الإمام والتزامًا بالمجاز الذي نطق به.
ولكن الاستعارة في "إعارة الله" فيها قَبَسٌ أقوى من الآية: "إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ"، وفيها يصف الله هذه التضحية بأنها بَيْع، وهذه الآية سياقها مطابق لسياق مقولة الإمام علي في حث ابنه على الجهاد، وتأكيدًا لهذا الارتباط القرآني قد يختار المترجمة كلمة "sell"
أو قد يميل المترجم إلى عدم الاحتفاظ بالاستعارة من الأساس، وترجمة العبارة بمعناها، وذلك توضيحًا للقارئ الذي يريد الاكتفاء بالمقصود دون الوقوف عند جماليات النص، وعندئذ سيجد المترجم أن المعنى هو "ابْذُل نفسك في طاعة اللّه"، وقد يترجم الفعل إلى "give" أو "sacrifice"
وإذا ناقشنا الكناية في "جمجمتك" وكيفية التصرف فيها عند الترجمة، بل وفي الاعتبارات المهمة عند ترجمة لفظ الجلالة، فإن الكلام سيطول، ولكن الشاهد أن الترجمة تزداد ثراءً كلما اهتم المترجم بقراءة النص قراءة متدبّرة ونظر في المعاني المضمرة وراء كل لفظة وعلاقتها بالنصوص الرفيعة الأخرى، ومن يكتفي بالمعنى السطحي يخسر خسارة كبيرة.
1 / 2
أَعِرِ اللَّهَ جُمْجُمَتَك
عترة
تاريخ النشر 05-02-2024