مراثي الحسين عليه السلام في الشعر الأندلسي

من مقدمة "مراثي الحسين في الشعر الأندلسي: رؤية فنية ونقدية" للدكتور محمد عبد الحميد. أستاذ الأدب في كلية اللغة العربية، جامعة الأزهر.

"اشتدت قبضة الأمويين في الأندلس في مقاومة الفكر العلوي، واستطاعوا وأده في مهده بشتى الطرق. ولما أذن الله بزوال دولتهم، بدأت بذرة الأشعار التي تتصل بآل بيت رسول الله ﷺ تنبت وتنمو أوراقها. وفي عهد ملوك الطوائف، آلت الأندلس إلى إمارات متناثرة ضعيفة فأخذت يد العدو تنوش البلاد من كل جانب فأهلكوا الحرث والنسل وعاثوا في الأرض فسادًا وأشاعوا القتل والذبح في المسلمين. ونتيجة لسيطرة دولة الصليب على بلاد الأندلس والهزائم المتلاحقة التي مني بها الحكم الإسلامي والصراع الداخلي بين الأمراء المسلمين واليأس من مقدرتهم على صد هجمات الأعداء أخذ الشعور الديني ينمو ويشتد. يمم الشعراء وجوهم شطر الإسلام والتعلق بنبينا الكريم وأهل بيته عليهم الصلاة والسلام. ووجدوا في الحسين وما أصابه من ظلم وغدر وتعذيب انتهى بجز رأسه وفصلها عن جسده رمزًا معبرًا عن مأساتهم، وما هم فيه من ويلات فكانوا يبثون شجونهم ويفرغون همومهم في رثاءه وبكاء من كانوا معه من آل بيت رسول الله، ولم يجدوا رمزًا أشد إيحاء وتأثيرًا في النفوس من الرمز الحسيني فراحوا يسطرون فيه القصائد الثكلى والمراثي والبواكي التي تفيض حزنا وألما وحنينا وحبا وشوقا إلى آل بيت رسول الله.

وظل الأندلسيون يبكون الحسين في ذكرى استشهاده حتى عصر ابن الخطيب يقول مشيرا إلى ذلك "ولم يزل الحزن متصلا على الحسين والمآتم قائمة في البلاد يجتمع لها الناس ولا سيما في شرق الأندلس"

لقد كان مقتل الحسين حدثًا مدويًا، زلزل قلوب المسلمين وأثر في نفوسهم تأثيرًا عظيمًا، ولو كان مقتله بيد كافرة مشركة بالله ورسوله ﷺ لسهل الخطب وهان، لكنه قتل بأيد مسلمة تؤمن بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبجده نبيا ورسولا، وتعلم قدر الحسين، وهذا هو الخطب الأعظم الذي ألهب الأفئدة والجوانح، وهز الجبال الرواسخ، وملأ قلوب المؤمنين حزنًا وألمًا، وكان مقتله بهذه الطريقة الغادرة معينًا دفاقًا يعب من الشعراء فكانت هذه القصائد التي تبكيه وترثيه كاشفة عن عمق المأساة، وفداحة الرزء، وتفيض أسى ولوعة حزنا وألما، وشوقا وحبا للحسين وآل بيت رسول الله.
.
- الدكتور محمد عبد الحميد

تاريخ النشر 25-07-2023
اقتباسات أخرى ذات صلة