Do people think that they will be left to say, “We believe,” without being tested?
أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ

.
خلقنا الله سبحانه وتعالى لنؤمن به ونعبده، إذ يقول: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} والاخلاص في عبادة الله ليس تحصيل حاصل لكل مؤمن أو مسلم ينطق بالشهادتين ويمارس بعض الفرائض والطقوس. هناك امتحان صعب وحقيقي على كل مؤمن أن يجتازه. قال تعالى {أحسب الناس أن يُتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون}. يا ترى كيف نفتن ونمتحن؟ وكيف لنا أن ننجح هذا الامتحان؟ ستتضح الإجابة إن تتبعنا سيرة الأنبياء.

الأنبياء هم أقرب خلق لله إليه، ولكنهم تعرضوا لابتلاءات متتالية أسهب القرآن في وصفها حتى قال: "مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّه"، وذلك لتمحيص القلوب واختبار الإيمان من ناحية، ولتزكية النفس بجهادها من ناحية أخرى، و لكي لا يدخل الجنة إلا من يستحقها وليعرف الإنسان ويؤمن عن قناعة أن الدنيا دار ابتلاء لا دار بقاء.

فجملة الأنبياء، وفي مقدمتهم أولي العزم، كانوا فقراء ومبتلين إلى حد يستدعي سخرية أقوامهم، فقد قيل لموسى عليه السلام "فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ"، وقيل لنوح عليه السلام: "مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا". ولو أراد الله سبحانه بأنبيائه أن يعطيهم كنوز السماء والأرض لفعل، ولو فعل ذلك لسقط البلاء وبطل الجزاء، ولكن استحقاق الثواب منوط بصعوبة الاختبار.

وقد تعرض الإمام علي عليه السلام لهذه المسألة في نهج البلاغة، إذ يقول: لو كانت الأنبياء أهل قوة لا ترام وعزة لا تضام، وملك تمتد نحوه أعناق الرجال لكان أسهل على الناس اتباعهم، ولآمنوا عن رهبة قاهرة لهم أو رغبة مائلة بهم، فكانت النيات مشتركة والحسنات مقتسمة. ولكن الله سبحانه أراد أن يكون إيمان المؤمنين لا تشوبه شائبة. وكلما كانت البلوى والاختبار أعظم كانت المثوبة والجزاء أجزل؛ فالله يختبر عباده بأنواع الشدائد، ويتعبدهم بأنواع المجاهد، ويبتليهم بضروب المكاره إخراجا للتكبر من قلوبهم، وإسكانا للتذلل في نفوسهم. وليجعل ذلك أبوابا فتحا إلى فضله.
.
{أحسب الناس أن يُتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون}.
صدق الله العلي العظيم

تاريخ النشر 07-04-2023