السيّد المستطاب
مرّ يومان على خبر استشهادك يا سيّد، بل دهران، تئِن منها الكواهل والظهور، لم أنم فيهما سوى القليل، ولم تهدأ نفسي إلّا بالصبر، وأنا الذي أعيشُ في حربٍ منذ سنة كاملة، قبضْتُ فيها على جمرة صبري وصمودي وعزمي، وقد فقدتُ ما فقدت، وقد كنتُ على مدار سنواتٍ أقول: إنني جاهزٌ لأتعامل مع كل ظروف الحياة إلّا خبر فقدك، لأنني لم أتخيل شكلًا للحياة بدونك. حين نعوكَ ساعة العصر من يوم السبت شهيدًا على طريق القدس، بحثتُ عن مكانٍ أختلي به لأبكي فلم أجد، بكيتُ وبكيت، ثمّ عدتُ في الذاكرة للحظةِ الأولى التي عرفتك فيها، كنت طفلًا لم يتجاوز الخامسة من عمره، سمعَ والده يشاهد خطابًا لك فسأل: من هذا؟ فأجاب الوالد: "السيّد حسن_ نصر_ الله" شعرتُ حينها بشعور غريب، لأنّ الوالد نطق اسمك بفخر وشموخ وعرفتُ سرَّ تسميتي "حسن"، كنتَ أنت يا سيّد الملهم والأستاذ الذي أراد الوالد أن أكون على خُطاه.
ثمّ لما كان عامٌ بعد عام، لم أترك لك خطابًا إلّا واستمعت له، ولم ينفكَّ صوتي عن الهتاف باسمك، عشقتُ إشارة سبابتك، حلمتُ أن ألمس عباءتك حين مقابلتك، وأحببتُ لحيتك التي شيّبتها المواقف.
لما خلوت بنفسي، عرفتُ أنك اختبار إلهيّ كبير، فبقدر عظمتك وقع البلاء، فهل ترانا يا سيّد عشقناك لأنك فاتح عهد الانتصارات ومُحرر الأسرى؟ هل عشقنا الحق لأنه أسدل علينا ثوب الإيجابيات؟ يبدو أننا فعلنا ذلك، فكان الاختبار من الله أن ننصرَ الحق لذاته بصرف النظر عن المكاسب أو الخسائر فهل ترانا نتعظ؟ لم يكن المرءُ منا ليعرف هذا الأثر لولا التعرض لمثل هذا التمحيص الكبير، إنّ الله سبحانه وتعالى غيورٌ جدًا، لا يسمح أن يكون قلب عبده المؤمن مليئًا بغير حبه، وقد حرم يعقوب من يوسف لأن قلب يعقوب كان يوسفيًا، ولكن حينما سلّم أمره لله، ردّه الله إليه، وحتى نبيُّ الله إبراهيم عليه السلام وقبل أن يضع السكينة على نحر إسماعيل، كان قد نحره في قلبه، قد نجح في الاختبار مسبقًا فصار أمَّةً بأكملها، إبراهيمُ الذي واجه طاغوت النمرود ونجح في الاختبار، ومع هذا كله اختبره الله بعدها في أعز الأشياء عنده! هذا ابتلاء كبير من الله، وهو أن نفرغ قلوبنا إلّا منه، وحينها يأتي النصر.
إنا لله وإنا إليه راجعون، هذه هي أصدق تعبيرات الرضا والتسليم، ومن واجبنا، يا مولانا، أن نتعرف عليك ونعرفك للناس، لأن معالجة القتل لا تتحقق إلا من خلال اجتثاث أسبابه.
وهو أن نطمح أن نشهد غدًا شبابنا وأطفالنا ينظرون إليك، السيد حسن عبد الكريم نصر الله، كمصدر إلهام ورمز للحق، وأن يشعر العدو بقوة الانتقام في عيونهم. فهذا هو الحد الأدنى من حقوق القائد على جنوده، وحقوق المعلم على طلابه، وحق السنوات الطويلة التي قضيتها في سبيل أن نكون نحن.