Verily, every nation has its Pharaoh
إن لكل أمة فرعونًا

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجًا، قيّمًا لينذرَ بأسًا شديدًا من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرًا حسنًا ماكثين فيه أبدًا وينذرَ الذين قالوا اتخذ الله ولدًا، ما لهم به من علم ولا لآبائهم كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبًا، فلعلك باخعٌ نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفًا "

وصلى الله على سيدنا محمد وآله الأئمة النجباء وأعلام الهدى، شزر العيون، وشّوص الموق، وعُبّاس في وجوه العدى، وبُسّام في يوم الغوث كالندى، والحمد لله الذي لم يُقم الدلو إلا بالرشاء له الأمرُ من قبلُ ومن بعدُ يقلبه كيف يشاء.

ولمّا كان مع المخض يظهر الزبد، فهذه محاولة لمخض قول رسول الله صلى الله عليه وآله: " إن لكل أمة فرعونًا، وإن فرعون هذه الأمة أبو جهل" علّنا نمسك بطرف الخيط لنشير على أبي جهل القرن الحادي والعشرين.

تتداخل خيوط التاريخ لتنسج قصصًا تحمل في طياتها دروسًا عميقة حول الصراع بين الحق والباطل، في هذه القصص، نجد شخصيات تمثل الاستكبار والعناد، وتستمر في تحدي الحقائق مهما كانت واضحة، حتى قال النبي الأكرم محمد صلى الله عليه وآله: "إن لكل أمة فرعونًا، وإن فرعون هذه الأمة أبو جهل" هذا القول يلخص طبيعة الشخصيات التي تعيش في ظلال السلطة، متمسكة بعنجهيتها، سواءً في زمن الرسالة أو في زمننا المعاصر.

عندما نتأمل في شخصية أبي جهل، نجدها تجسّد العناد المقاوم للحق، حيث كان يعيش في حالة من الإنكار للحقيقة متمسكًا بمصالحه الشخصية على حساب القيم الإنسانية، فجهله في قبال المعرفة والتؤدة والصبر، وفي المقابل، يبرز فرعون كرمز للظلم والطغيان، رافضًا الاستجابة لدعوة الحق حتى وهو في قمة قوته، كلاهما كانا مثالين على كيف يمكن للجهل والاستكبار أن يعيقا التقدم نحو الحق وكيف يستخف المستكبر بقومه فيستدرج أتباعه للهلاك.

في العصر الحديث، نجد أن هذه الأنماط تتجلى في شخصية بنيامين نتنياهو، الذي يمثل قمة الاستبداد السياسي في زمننا، إن نتنياهو، مثل أبي جهل وفرعون، يسعى إلى الحفاظ على سلطته من خلال البطش والقتل ومواجهة الحق.

من خلال مقارنة هذه الشخصيات الثلاثة: أبي جهل، فرعون، وبنيامين نتنياهو، نستطيع أن نرسم صورة أوضح للصراع الأزلي بين الباطل والحق، ولنتذكر أن الإنسان المستكبر يكرر ذات الأخطاء ويعيد نفسه في أزمنة مختلفة، وأن النصر دائمًا سيكون حليفًا للمؤمنين الذين يتمسكون بقيمهم، مهما كانت التحديات.

أبو جهل: العناد الاستراتيجي

لا أريد أن أسرد ما جرى من وقائع حصلت في معركة بدر الكبرى وإن كان ذلك يشرّف سارده بمقدار ما سأحاول الإضاءة على حيثيات والتي من خلالها ندرك عالمية هذه المعركة الكبرى وإسقاط أحداثها على يومنا هذا مما يسهم في فهم الصراع.

كان هنالك قافلة للمشركين فيها أبو سفيان وكثيرٌ من البُعران المحمّلة تتجه إلى مكة فعلم النبي صلى الله عليه وآله بذلك فأرسل سرية تعترض القافلة وقد علم أبو سفيان بمسير المسلمين إليه فبعث رسالة لمكة يطلب فيها النجدة  فلما بلغ الخبر مكة أن قافلتكم ينتهبها محمد صلى الله عليه وآله خرجوا على غير هدى يقودهم أبو جهل بن هشام، بهدف تأمين القافلة، لكن أبا سفيان استطاع تغيير اتجاة القافلة فكتب إلى قريش" أن ارجعوا فإنكم إنما خرجتم لتُحرِزوا عيركمُ وقد سلَّمها الله، فوصلهم الخبرُ وهم بالجحفة فهمُّوا بالرجوع، ولكن لأمر قدره الله ـ عز وجل ـ رفض أبو جهل الرجوع بمن معه رغم نجاة القافلة، وقال معللاً عدم رجوعهم إلى مكة: " والله لا نرجع حتى نأتي بدراً فنقيم عليها ثلاثاً، ننحرُ الجُزر، ونطعم الطعام، ونُسقى الخمر، وتعزف علينا القيان، حتى تسمع بنا العرب وبمسيرنا وجمعنا، فلا يزالون يهابوننا بعد ذلك اليوم أبدًا"

لقد كان هذا المشهد إعلان حرب من أبي جهل على المسلمين، فبدرٌ كانت خاتمة أربع مشاهد:

أولًا: لقد كانت العرب تفتخر بمرابد الشعر والتفيقه اللغوي وكانوا أصحاب شعر ومعلّقات، فأتى النبي صلى الله عليه وآله بالقرآن الكريم فابتلع كل ما سبق بكتابٍ يعلو ولا يُعلى عليه.

ثانيًا: افتخر المشركون بسقاية الحج وعمارة المسجد الحرام حتى أتى النبي وقال لهم هذا ليس بشيء في مقابل الجhاد مع رسول الله "أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَ جاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ"

ثالثًا: ضرب التجارة البينية التي أعطتهم الهيبة بين القبائل " رحلة الشتاء والصيف" وأبو سفيان حين يغير مسار القافلة ويقطع مسافة طويلة لينجو بها فهذا يضرب هيبته بفراره ولو لم يحضر المعركة فيما بعد.

رابعًا: استدراج الرؤوس الحربية للبطش بها في يوم واحد، فهنا يكمن محمد بن عبدالله، هنا انتصاره، يعلم تمام العلم الصفات التي تهيمن على شخصية أبي جهل ولذلك اعترض طريق القافلة ولم يكن الهدف السيطرة عليها بل كان وصول رسالة لأبي جهل حتى يقوده استكباره بعمى قلبه إلى الهلاك والزحف نحو الموت، فهو مع طمأنة أبي سفيان له اعتقدَ أنه رجل حكيم! يريد التخلص من صداع محمد الذي ضرب هيبتهم الثقافية والعسكرية بين العرب.

لذلك كانت بدر فرقانًا لأنه حضرها الرؤوس من كل شيء، رؤوس الفراعنة أبو جهل وإبليس ذات نفسه، وفي قِباله رأس الكون محمد صلى الله عليه وآله والملائكة مردفين.

وقد حدد الله سبحانه وتعالى الهدف من النصر الذي وهبه لرسوله وللمؤمنين يوم بدر في قوله: "ولقد نصرَكُمُ الله بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ" فقد كان حال المؤمنين في تلك الفترة يشبه حال الذليل المحاصر الذي يتربص به الجميع ولكن جاء النصر الذي أنتج أول ما أنتج أنه قطع طرفًا من هؤلاء الكافرين جميعًا، كما وصفه الله سبحانه وتعالى:

" لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خائِبِينَ"

فالمعركة لا تُقاس بالأعداد والكثرة بمقدار ما يجري قياسها فيما تنتجه من موازين جديدة أهونها أن عصبة المؤمنين انتقلت من حالة الذلة إلى حالة العزة ومن حالة التهميش إلى حالة التواجد في وسط الخارطة.

فرعون: مسار الزوال الذاتي

رغم الآيات والمعجزات التي أظهرها نبي الله موسى عليه السلام لفرعون مثل العصا التي تحولت إلى ثعبان، واليد البيضاء، والآفات التي حلّت بقومه، استمر فرعون في غيّه واستكباره " فحشر فنادى فقال أنا ربكم الأعلى" فكان نتيجته أن سلب نفسه المراجعة الذاتية، حتى عندما فلق الله البحر لموسى، كان لديه الوهم والجرأة ليظن أنه قادر على القضاء على من أذله ورفض الخضوع إليه، فقاده وهم قوته في لحظاته الأخيرة إلى البحر الذي كان يحجبه عن رؤية الحقيقة، فهلك وهلك جيشه معه.

بنيامين نتنياهو: فرعون الزمان

تحمل شخصية بنيامين نتنياهو المتطرفة كل صفات أبي جهل وفرعون، لكنه شيطان يمتلك أدوات حديثة ووسائل أقوى من أسلافه، ومع ذلك، يشبههم في استدراج الأتباع إلى الهلاك عبر مسار زوال ذاتي وتآكل فرعوني، إن صلفه وغيّه يدفعانه إلى ارتكاب أخطاء استراتيجية، تمامًا كما فعل أبو جهل عندما بدّل هدف الحرب من تأمين القافلة إلى هدف بعيد المنال وهو القضاء على دعوة محمد صلى الله عليه وآله.

نتنياهو يسير على نفس الدرب، حيث يضع أهدافًا لا يستطيع تحقيقها، مما يجعل نصرنا يشبه نصر بدر، أما وقد شهدنا ما بلغه من آيات وتحذيرات من المستضعفين قد أساءت وجهه، إلّا أنّه، رغم كل ما جاءه من تحذيرات، يستمر في عدوانه، لكن ما يفعله سيقوده إلى الخسارة الحتمية مهما بلغ وتباهى بتقدمه التكنولوجي واعتقاده بضعف المقا٩مة إلّا أنه سيغرق في نهر تقدمه التكنولوجي وستُخرق أدواته كما خرقت العصا البحر، سننتصر بعصا بينما سيغرقون هم في مكرهم لأن معنا ربنا سيهدينا.

كل ما ذكرته اختصره رفيق عزيز حين قال ببصيرته الثاقبة: " إن مسار الفرعونية مسار الهلاك الذاتي، إنّها تمشي الهوينا بخُطى حثيثة نحو قدرها الحتمي، فكلما زاد طغيانها تأكد اضمحلالها، وكلما بان اهتراؤها علا كذِبها، وكلما أحسّت بضعفها " مَسْرحت قوتها"، حتى إذا أتى أمر الله بنهاية فرعونها وأتت البطشة الكبرى "فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى‏"

والحمد لله رب العالمين

تاريخ النشر 01-12-2024