الانتصار بالنقاط: هذه الأمّة على موعد مع الدم
تقوم سيكولوجية المستعمِر على التعامل مع الذات المستعمَرة بأنها عدمية وغير موجودة، وليست نسخته الصهيونية التي تنتهج كثرة الحواجز ونقاط التفتيش وفصل المناطق الجغرافية والموت المستمر إلا دليلًا على ذلك، فهو يتعامل مع الجسد الفلسطيني كمساحة استعمارية سهلة الكسر والعطب في حقيقة وجودها، لينفُذَ عبر عملية ممنهجة من الإفراط في استخدام آلة القتل إلى اللاوعي الفلسطيني ومعه الإسلامي ويخلص إلى نتيجة مفادها أن جسد الفلسطيني مكان مثاليّ للرصاص والتفتيش والقتل، وأن الفلسطيني محرومٌ من إرادة الفعل ومسحوقٌ في ذات وجوده، ومعرّضٌ للمحو في أيّ لحظة، ولا يعدو إلا ذاتًا منفيّةً ميّتةً في المكان.
هذه الحالة من تعامل المستعمِر مع المستعمَر تُجبر المستعمَرين على مساءلة أنفسهم باستمرار: "من أنا في الواقع؟" كما أشار " فرانزز فانون" فهو بهذا السؤال يتجاوز الوجود المهزوم الذي قَولبه المستعمِر بسؤال "من أنا؟" بما هو فعل تحدٍّ وجدلية بين العدم والحضور، فإنّ المستعمَر، الذي يعاني من النفيّ المستمر، يطمح إلى التحرّر من هذا النفيّ عبر إعادة تشكيل وجوده، وهذا التشكيل لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال مصطلح أطلق عليه فانون اسم: "العنف الثوري" الذي يهدف إلى كسر قيود الاستعمار ويكون فيه العنف بمثابة نفيٍّ للنفي الاستعماري، وهذا ما يجعل ممارسة العنف الثوري الفلسطيني إلزاميًا وواجبًا، ليؤصّل للأمل الثوري الوحيد للإنسان، حيث يكون العنف وسيلةّ للتخلّص من العار والرد على ما لا يُطاق وهو لا يهدف لسنّ القوانين، بل تدميرها، ويعيد تشكيل الذات المستعمَرة كذات حرّة.
هذا ما أكّد عليه الدكتور فتحي الشقاقي حين وضع شعار حركة الجهاد الإسلامي: "إيمان-وعي-ثورة"، فإن الثورة الفلسطـينية تبدأ من الإيمان، مرورًا بالوعي التاريخي وسننه لإشكاليات الصراع، وصولًا إلى "الروح الثورية" التي تؤمن بالعنف الثوري كوسيلة لتحقيق التحرّر، فالشهادة وفق تصور الشقاقي، هي "المعادل الموضوعي للحياة"، وهي السبيل للحفاظ على "الاشتباك المستمر" وإبقاء " جذوة النضال مشتعلة" مع المستعمِر حتى تحقيق التحرير.
بالمثل، تبنّى أحمد جبريل في شعاره الذي وضعه للجبهة الشعبية القيادة العامة: "عودة-فداء-تحرير" رؤية تؤكد على القوة العسكرية كوسيلة وحيدة للصراع، حيث رأى أن "الدم سيسيل حتى يأتي اليوم الذي تتحرر فيه فلسطين كاملة". هذه الرؤية تعكس استراتيجية " الانتصار بالنقاط" وهذا هو هدف الصراع وهو التدمير العنيف للدولة اليهودية عبر المعركة، دون الانشغال بالقصص السياسية التي تحاول خداع الفلسطينيين، والذي يهدف أيضًا إلى زعزعة نظام المستعمِر، وإصابة الجسم "الإسرائيلي" القوي بفقر الدم والانهيار عبر عمليات استنزاف طويلة الأمد تُضعف إرادته وتُفقده قوته تدريجيًا.
وهذا هو معنى المقاومة، وهي ردة فعل عُصابية تهدف إلى إثبات الوجود ولا تتأثرئبسقوط دولة هنا أو إضعاف جبهة هناك، بل" بعون الله وقوّته، فإنّ رقعة المقاومة ستعمّ المنطقة بأسرها أكثر من أيّ وقت مضى، هذا هو محور المقاومة: كلما زادت الضغوط أصبح أكثر صلابة، وكلما ارتكبوا الجرائم ازدادت عزيمته، وكلما حاربوه أصبح أكثر انتشارًا".
✍🏼 @hassanomar_99



