عندما وصل الحوار بين رسول الله ﷺ ونصارى نجران إلى طريق مسدود، نزلت الآية {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ الله عَلَى الْكَاذِبِينَ} أي "ائتوا أنتم بأعزِّ النّاس عندكم، وأنا سوف آتي بأعزِّ الناس لديَّ، ولنتباهل، فإن كنت صادقاً، أُنزلت اللّعنة عليكم، وإن كنت كاذباً، أُنزلت اللّعنة علينا." قبل النصارى بذلك، وفي يوم المباهلة جاء رسول ﷺ محتضنا الحسين وآخذًا بيد الحسن وفاطمة تمشي وعليٌّ خلفها وهو يقول "إذا أنا دعوت فأمّنوا" أي قولوا آمين. هزَّ هذا المشهد نصارى نجران لأنهم كانو يعلمون مكانة هؤلاء في قلب الرسول ﷺ فهو لا يعرِّض أعزّ الناس عنده للعذاب والطرد من رحمة الله إن كان كاذبًا. حينئذ قال أسقف نجران: "إني لأرى وُجُوهًا لو شاء الله أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله بها، فلا تباهلوا فتهلكوا". وقرروا ألا يدخلوا في المباهلة، وأن يعقدوا اتفاقية الصّلح مع المسلمين لتنظم العلاقة بينهم وبين المسلمين، وعادوا إلى ديارهم آمنين.
••••
ملاحظة: عندما بحثنا عن ترجمة مقولة الأسقف، وجدنا كل الترجمات تغير المعنى. ففي النص العربي يقول الأسقف أن الله هو من سيريد نقل الجبال، وأنه سيستعمل آل البيت عليهم السلام في تحقيق هذه الإرادة (مثلما نقول في الدعاء المأثور: اللهم استعملنا ولا تستبدلنا). ولكن الترجمات تقول ما يلي:
I see before me such (radiant/strong-willed) faces if they so desire for Allah to move a mountain from its place, He would surely move it
أي: "إني لأرى وجوهًا لو تمنت من الله نقل الجبال لنقله استجابة لهم"، فجعلوا رسول الله ﷺ وآل بيته عليهم السلام هم المُريد والله مستجيبًا لهم.
هذا الانتقال ربما يكون السبب فيه هو التحرّج من ربط إرادة الله بالمخلوق، فأمره إن أراد شيئًا أن يقول له كُن فيكون، ولكن ذلك لا يناقض أن الله يتصرّف من خلال خلقه ويسخرهم لمشيئته ويستعملهم لما فيه تحقيق إرادته سبحانه وتعالى.
ومن المنطقي أيضًا أن يشبه الأسقف إيمان رسول الله ﷺ وآل بيته عليهم السلام بأنهم يستطيعون نقل الجبال، فذلك متكرر في الإنجيل، مثل هذه الآية:
"فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «لِعَدَمِ إِيمَانِكُمْ. فَالْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لَوْ كَانَ لَكُمْ إِيمَانٌ مِثْلُ حَبَّةِ خَرْدَل لَكُنْتُمْ تَقُولُونَ لِهذَا الْجَبَلِ: انْتَقِلْ مِنْ هُنَا إِلَى هُنَاكَ فَيَنْتَقِلُ، وَلاَ يَكُونُ شَيْءٌ غَيْرَ مُمْكِنٍ لَدَيْكُمْ.".