بنا اهتديتم في الظلماء، وتسنمتم ذروة العلياء.

لآل البيت الفضل في الاحتفاظ بديني في فترة فتنة كبيرة تعرّضت لها..

في الفترة من 2013 وحتى 2015 كان الانتقاد للإسلام وكل ما يرتبط به على أشده على الإنترنت. كل مواقع التواصل الاجتماعي تقريبًا كان عليها أصوات ملحدة قوية جدًا، تارة صريحة وتارة متخفية وراء شعارات المدنية والعلمانية، كرد فعل على صعود الإسلام السياسي.

الإسلام السياسي نفسه كان متصدره جماعة من الانتهازيين والدجالين، وفي أولهم الشيوخ. فكانوا يدافعون بشكل ضعيف وغير علمي وغوغائي، وفي نفس الوقت سيرتهم لا تقول إنهم صالحين أصلًا.

نتحدث عن قضايا كُبرى (السلم والحرب، السبي والعبودية، دولة المواطنة، الديمقراطية، شبهات تتعلق بشخص النبي وأخلاقه وزيجاته، شكوك حول القرآن والأحاديث وما إلى ذلك) فعلًا كانت حرب شعواء.

في ذلك المناخ كنت قارئًا نهمًا لكن لم يكن عندي العلم الكافي ولا القدرة النقدية، فلم أعد أعرف ماذا أصدق وماذا أكذب. ودخلت في حيرة شديدة ثم لا أدرية، مسلم بالاسم فقط.

ثم تعرفت على عدنان إبراهيم من خلال مقاطعه ثم خطبتين كان لهما أكبر الأثر علي:"مشكلتي مع البخاري" و "الإمام"، خاصة الثانية لأني وجدته يتحدث عن الإمام عليّ بأسلوب لم أعتده في الكلام عن الصحابة. ولم أكن أعرف أي شيء مطلقًا عنه غير أنه "رابع الخلفاء الراشدين" وابن عم النبي وأول من آمن من الصبية.

في نفس الوقت تقريبًا كنت أزور مكتبة بشكل مستمر، وحدث أمر غريب. أينما وضعت يدي في أي رف، أخرج بكتاب عن الفتنة الكُبرى أو الإمام علي (أذكر أغلبها: الفتنة الكبرى لطه حسين - علي إمام المتقين للشرقاوي - علي بن أبي طالب بقية النبوة وخاتم الخلافة لعبد الكريم الخطيب - عبقرية الإمام للعقاد)

فبدأت أقرأ. وتعرّفت أكثر على الإمام والحسين بشكل متزامن ووجدت الإسلام الذي أضعته. وبعد ذلك تعرفت على حسن بن فرحان المالكي المالكي وكتبه حرية العقيدة والمقدمة السياسية لفهم التاريخ وموقف الصحابة في الفتنة، فعرفت مظلمة الإمام عليّ على حقها وأدركت أن شخصًا بهذا النُبل لا يُمكن إلا أن يكون حصيلة تأثيرات ربانية. لا هو ابن عصره ولا ابن بيئته ولا ابن ظروفه، هو ابن محمد (ص)، ليس محمد الذي كنت أسمع عنه طول عمري، وإنّما شخص آخر حجبه ركام التراث المكذوب.

ثم ظهر الإسلام لي ناصعًا وتبددت الشبهات بالقراءة المستمرة ومقارنة الأدلة، في العلوم والتاريخ والاجتماع... لكنّي أعرف أن البداية كانت من الإمام عليّ بالذات.

لم يكن القُرآن عاملًا في ذلك لأني لم أكن مستعدًا بعد لأفهمه ولا لأتدبره.

والحلقة الأخيرة في هذه القصة كانت الطوفان وتغطيتنا للقادة (السيد الأمين بالمقام الأول، ليس هناك غيره أثر عليّ بهذا الشكل على مستوى الاقتراب من الله)، هذه بدّدت كل الأوهام إزاء حقيقة الغرب وصراعهم معنا، وحقيقة التيارات المعادية للإسلام بيننا وسبب تدليسهم وبغضهم لكل ما يمت له بصلة.

والحمد لله عملنا معًا ومشروعات ضاد كان لها فضل كبير جدًا في تطوري كإنسان دينيًا وروحيًا وعلميًا.

ثم أستطيع أن أقول أني اهتديت حقًا بالاقتراب من القرآن الكريم ومدارسته، حتى فتح الله عليّ بأن ومررت بتجربة روحانية أثناء تدبّر بنيان القرآن وشدة إحكامه، فشعرت كأني كشف لي الحجاب لجزء من الثانية. ومن حينها وأنا ملتزم بالصلاة والعبادات بعد تقصير كبير وتذبذب في الالتزام وانقطاع لأوقات طويلة.

والحمد لله على نعمة محمد وآل محمد صلوات الله عليهم.

تاريخ النشر 17-02-2025
اقتباسات أخرى ذات صلة