الشامتون لا يستطيعون الرِّثاء. ومن حسناتهم أنهم واضحون ولا يخفون بغضهم. أما المنافقين فيصعب كشفهم لبراعتهم في مزج الحق بالباطل.
وما يكشفهم حقًا هو كلامهم، فالمرء مخبوء تحت لسانه وكلُّ إناء بما فيه ينضحُ.
طوال التشييع أمس، توالت المنشورات على مواقع التواصل ترثي السيد الأمين وتعدِّد مناقبه وتبكيه بالدموع الحرّى. ولكن بين هذه المرثيّات الصادقة، ظهرت تِباعًا مرثيّات تتبع نمطًا متكررًا... تكيل المديح للسيد من بداية سيرته حتى حسن الختام، ولكنّها تتعمّد في الوسط ذكر "أخطاء" و"جرائم" الحزب المزعومة.
لم يراع هؤلاء اللُّمَزَة أبسط مبادئ الأدب والكياسة في الرثاء عمومًا (والذي يعنى بذكر مناقب المتوفى) ناهيكم عن رثاء شهيد لو كانت أرض فلسطين تنطق لرثته باكية... ولم يصبروا حتى يواري التراب جثمانه الطّاهر، وإنّما صدق عليهم قوله تعالى: "أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ".
قد يظن القارئ أن هذه الآراء مرتبطة بآراء وانحيازات شخصية، ولكنها حملة ممنهجة قديمة لتلويث سيرة سيد المق/ومة. هؤلاء لا يُريدون أن يعترفوا بما قاله السيد أن "هذه المق/ومة هي أشرف وأطهر وأعقل مق/ومة في العصر الحديث".
لا يريدون أن تدرك الأمة أن سيرة هذا السيّد كانت ناصعة من البداية للختام كسيرة أجداده عليهم السلام. وإنما أن يكون في المخيّلة الجمعية مرتبط بسفك دماء أبرياء، وهو أمر لا يُغتفر مهما فعل. وهذا الأمر ليس بجديدٍ أبدًا. فكل من يتصدى للباطل لا بُدّ أن يجد من يغمز قناته بعيبٍ ما لكي تقتنع النفوس المريضة أنهم لم يكونوا جديرين بالاتّباع.. ألم يقولوا عن علي بن أبي طالب (ع) أنه لا علم له بالسياسة؟ ألم يقولوا عن الحسين (ع) أنّه قُتل بشرع جده؟
فعلا، هناك من يفضل أن يهلك قبل أن يعترف بالحق ويعود عن تذبذبه، وهؤلاء لسان حالهم دائمًا وأبدًا: "اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَٰذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ".