"لشسع نعل قنبر"
إن من الأمارات الدالة على المحبة هي تعلق المُحِب بكل ما يرتبط بمحبوبِه، فكل ما يرتبط بِه يُذكِر به، فيحب صوته، طريقة كلامه ولهجته، يحب أن يقلده حتى في مأكله ومشربه، يتعلم هوايته فيهواها، حتى مركبه وملبسه يود لو أن يمتلك مثلهم، يأنس حين ما يمر بداره أو المنطقة التي يسكنها.
وهذا التعلق ليس فقط بالجمادات بل حتى بالأشخاص، فحين نحب شخصاً ما ترانا نحب من يُحِبُهم؛ أمه، أباه، إخوته، أصدقاءه ومرافقيه، من يجالسهم ويتحدث معهم، فكلهم يُذَكِرون بِه وحين يغيب نرى صورته فيهم.
ومحبوبنا السيد "الشهيد الأقدس" و"فريد عصرِه" ليس استثناء عن القاعدة بل محبته مُثبتةٌ لها، فلا عجب إن أحببنا لبنان، الجنوب، الضاحية لحبنا له، لا عجب إن أحببنا ثقل الراء في الكلام، التختم بالعقيق، أو حتى شرب عصير البرتقال...
لا عجب أن اضطربت مشاعرنا حين ظهر السيد محمد مهدي بالعمامة، أو حينما تحدث السيد جواد أو السيدة زينب في مقابلة، ولا عجب أن اضطربت مشاعرنا مرة أخرى حين ظهر “أبو علي" مرافقاً النعش ويرمي الورود على جموع المشيعين...
منذ الأحد وصور ومقاطع أبو علي أخذت المساحة الأكبر على شبكات التواصل الاجتماعي، الشعراء أنشدوا فيه الأشعار، والقنوات الإخبارية أعدت التقارير، والممنتجين تفننوا في تركيب المقاطع والصوتيات الرثائية على صوره، ومن ثم تهافتت الجماهير عليه كل يريد أن يعانقه، يسأله ويحدثه، يسلم عليه، بل حتى أن يقبلوا يده التي لطالما وضعها على كتف وزند السيد ولطالما صافحه بها...
طوال ال 32 سنة لم يسمع لأبو علي صوت، تصريح، موقف، إنما صورته كانت ملازمة لصورة السيد -حينما كان يخرج للعلن- ولربما لم نعرفه بكنيته "أبو علي" لو لم يناده بها السيد في أحد الخطابات القديمة حينما قال: "زيح شوي أبو علي"، إلا أن هذا الظهور البسيط كان كافياً ليأخذ بقلوبنا ويقلب وجعنا فهو القرينة لظهور السيد ولربما شُمَّ ريح السيد فيه أو كان واسطة لبركاته.
هذا الإنجذاب والتفاعل العاطفي والإعلامي مع أبو علي ذكرني كثيراً بالقصة التي تروى عن إبن السكيت مع المتوكل العباسي حينما سأله الأخير: "من أحب إليك ابناي هذان (المعتز والمؤيد)، أم الحسن والحسين؟" فأجاب: "إنّ قنبراً خادم علي عليه السلام خير منك ومن ابنيك" أو في رواية أخرى "والله لشسع نعل قنبر عندي خير منك ومن ولديك هذين" مما أدى بذلك إلى قتله
فحب علي وإبنيه عليهم السلام لم يكن كافياً لشغف ابن السكيت في ولايتهم بل امتد لخادمهم او ربما شسع نعل خادمهم ليفضله على من عاداهم فيدفع روحه ثمناً لهذا الحب.
هكذا هو الحب وقرائنه وإلا فكلا...