So narrate the stories, perhaps they may reflect
فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ

في شهر رمضان تتطلع النفوس إلى القرآن الكريم وتبدأ خطط القراءة اليومية، حتى بين من لا يقرأه بانتظام. وكلٌ يريد ألا ينتهي الشهر دون أن يختمه مرة على الأقل، وربما أثر ذلك على القدرة على التدبّر في الآيات والتفكّر في معانيها.

ومع ذلك، فينبغي ألا يختم الإنسان كتاب الله دون أن يخرج منه بمعنى جديد أو فائدة جديدة على الأقل، يزداد بها عِلمًا بدينه وفهمًا لدُنياه.

على سبيل المثال، نحن الآن في فترة يحاول فيها أعداء الأمة أن يسلخوها عن تاريخها، تارةً بأن يتهموا من يستلهم العبَر من سيرة النبي والآل كأنّه غارق في شئون أُناسٌ لا علاقة لنا بهم، ويقولون "تلك أمة قد خلت" فلماذا تصرون على إحياء ماضٍ مات ودُفِن؟ وتارة أخرى يعودون هم أنفسهم إلى هذا التاريخ فيزيّفوه ويشوّهوه ليلبسوا الحق بالباطل، ويميتوا سنن الهداة ويحيوا سنن المضلّين.

في هذا السياق، عندما تقرأ القُرآن ربّما تختار هذا العام أن تنتبه إلى القصَص مثلًا كظاهرة قُرآنية، فتلاحظ متى يوردها الله وبماذا يستدل بها؟

ربما تلاحظ مثلًا أن أول قصة تأتيك مبكرًا جدًا (خلق آدم) في الآية 30 من سورة البقرة، وآخر قصة تأتيك متأخرًا جدًا (قصة الإيلاف في سورة قريش). أي أن التاريخ وفهمه من الركائز التي يقوم عليها القرآن من أوله لآخره، وكذلك ينبغي أن يكون العقل المسلم واعيًا بالسنن التاريخية وحريصًا على دراستها.

وربما تلاحظ أيضًا أن أكثر القصص تكرارًا هي قصص موسى (ع) مع بني إسرائيل، مع أن المسافة بين نزول القرآن وموسى (ع) أطول بقرون من المسافة بيننا وبين النبي (ص)، بمعنى أن القرآن يخبرنا أنه ما دامت العِبرة حيّة والدروس المستفادة خالدة فلا فرق بين قديم وجديد. التاريخ كمادة خام للوعْي يجب أن يُقرأ، ومن يقولون إن أحداثًا مهمة في تاريخ الإسلام المبكر قد أصبحت أخبارًا عن "أمة قد خلت" فالقرآن نفسه يكذّبهم.

وربما تنتقل لمرحلة أعلى وتبدأ في ربط الماضي بالحاضر، وتلاحظ التطابق بين قول فرعون عن موسى (ع): "إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ"، وبين المنابر الإعلامية و"الدينية" التي ترمي قادة المقـ//ومة ودعاة الحق بالاتهامات عن فساد العقيدة والإفساد في الأرض اليوم.

وهكذا تتراكم لديك الملاحظات حتى تصل إلى العيد وقد أصبح لديك انطباعات قوية وفهم أعمق للقصص أو أي ظاهرة قُرآنية أخرى قد عقدت النية على الانتباه لها. وبذلك تتحول الختمة الرمضانية إلى فُرصة لبناء ثقافة تدوم وتصمد أمام تيّار الباطل الجارف.

***

وقد يدفعك هذا لمحاولة فهم معنى قوله تعالى: تِلۡكَ أُمَّةٞ قَدۡ خَلَتۡۖ لَهَا مَا كَسَبَتۡ وَلَكُم مَّا كَسَبۡتُمۡۖ وَلَا تُسۡـَٔلُونَ عَمَّا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ (134)، ولماذا أتت في سورة البقرة التي تتضمن قصة كلٍّ من: (الملائكة وخلق آدم، هلاك فرعون، التيه، عجل بني إسرائيل، هاروت وماروت، وصية يعقوب لأبنائه، انتصار طالوت على جالوت، إحياء عُزير بعد موته، مناظرة إبراهيم والنمرود). وتستنتج من ذلك أن القُرآن يميّز بين التاريخ كوسيلة لتعليم العقول وتزكية النفس وتثبيت القلوب، وبين التاريخ كحجّة للافتخار الفارغ بأمجاد الأجداد، كما كان يفتخر بنو إسرائيل بأنهم المُختارون. وينبغي ألا تكون قراءتنا للتاريخ من أجل أن نتبع "ما وجدنا عليه آباءنا" اتباعًا أعمى، وإنّما لكي نستخلص السنن التي تحكم حركة المجتمعات ونتعرف على الله من خلالها، ثم نستعين به كي لا نكرر أخطاء الماضي. ومن لم يقرأ التاريخ محكوم عليه بتكراره.

تاريخ النشر 01-03-2025
اقتباسات أخرى ذات صلة