التوازن النفسي في دعاء أبي حمزة

في دعاء الإمام زين العابدين المروي عن أبي حمزة الثمالي، يتحدث الإمام (ع) بعبارات صريحة تجعل الإنسان يتوقف أمام نفسه، ليعترف بخطاياه دون مواربة أو تبرير، يقول الإمام:

"أنا الصغير الذي ربيته، وأنا الجاهل الذي علمته، وأنا الضال الذي هديته، وأنا الوضيع الذي رفعته".

إلى أن يقول:

"أنا يا رب الذي لم أستحيك في الخلاء ولم أراقبك في الملأ، أنا صاحب الدواهي العظمى، أنا الذي عصيت جبار السماء".

إن عبقرية هذا الدعاء تكمن في أن الإمام يتحدث بلسان حالنا نحن، نحن البشر الذين نقع في الأخطاء ونحاول غالبًا أن نعلّلها أو نلقي باللوم على البيئة أو الظروف أو حتى الجينات. لكن هنا، الإمام يُعلّمنا تحمّل المسؤولية، أن نواجه أنفسنا بحقيقة تقصيرنا، لأن أول خطوة في الإصلاح هي الاعتراف الصادق. "أنا" التي تتكرر هي إعلان واضح أن الإنسان هو المسؤول عن أفعاله، وليس المجتمع أو الظروف أو غيرها.

لكن هل يقتصر الأمر على مجرد الاعتراف دون أن يخطو الإنسان نحو التصحيح؟ بالطبع لا. فالاعتراف ليس غاية بحد ذاته، بل هو خطوة أولى نحو الإصلاح والبناء. إذ لو توقف الإنسان عند حدود الاعتراف فقط، دون أن يُوازن ذلك بالرجاء في رحمة الله والعمل على التغيير، فإنه قد ينزلق إلى الحزن المفرط أو الإحساس بالعجز والدونية.

وهنا، يتجلّى جمال الدعاء حين يُعيد الإمام النَّفسَ إلى حالة الرجاء والسكينة:

"فبحلمك أمهلتني، وبسترك سترتني، حتى كأنك استحييتني، ومن عقوبات المعاصي جنبتني".

وهذا يُربِّي النفس على مبدأ عظيم: أن الله سبحانه وتعالى هو الغافر، الساتر، وأنه مع كل خطأ ارتكبناه، هناك فرصة جديدة للعودة إليه، ولا بد من مسامحة النفس على أخطائها، لكن الأجمل من ذلك، هو أن الإمام ينفي أن يكون الخطأ نابعًا عن كفر أو جحود، فيقول:

"إلهي لم أعصك حين عصيتك وأنا بربوبيتك جاحد، ولا بأمرك مستخف، ولا بعقوبتك متعرض، ولا بنعيمك متهاون، ولكن خطيئة عرضت وسولت لي نفسي وغلبني هواي".

فهذا إبليس الذي عبد الله ستة آلاف سنة، سقط في لحظة اختبار حاسمة، لأن ماضيه لم يشفع له. أما الحر بن يزيد الرياحي، فقد غيّر مصيره في لحظة واحدة من الحاضر، وأصبح من قادة معسكر الحسين عليه السلام.

وهنا تأتي النقطة الأهم؛ تجاوز الذنوب لا يعني أبدًا أن يعطّل الإنسان جهاز المراقبة على نفسه، أو أن يعيش بحالة من الإرجاء والتسويف، متذرعًا بأن الإيمان في القلب فقط، وأن السلوك لا يهم. هذا من أخطر ما قد يقع فيه المؤمن، لأن الإيمان ليس مجرد شعور داخلي منعزل عن العمل، بل هو ما وقر في القلب وصدقه العمل.

ومع ذلك، فإن الذنوب الماضية والعثرات السابقة لا ينبغي أن تكون مصدرًا للقعود أو التوقف عن السعي في طريق الحق. فالمؤمن الذي يُثقل نفسه بجلد الذات المستمر ويترك الحزن يسيطر عليه، فهو يُعطل طاقته الروحية ويمنع نفسه من اللحاق بركب الصالحين. إن الله سبحانه وتعالى لا يريد من عبده أن يظل أسيرًا للماضي، بل يريده أن يتوب، ويعمل، ويسير في طريق الخير بثقة وأمل. فالذنوب التي مضت ليست نهاية الطريق، بل قد تكون بداية جديدة، ودافعًا أقوى للتمسك بالحق، لأن من عرف قبح الذنب بصدق، عرف قيمة الطاعة وجمال القرب من الله.

- حسن ياسر عمر

تاريخ النشر 03-03-2025