يوافق اليوم ذكرى وفاة السيدة خديجة رضوان الله عليها، أول المؤمنين بالنبي (ص) وأول المصدّقين لدعوته. وهي فرصة مناسبة أن نتدبّر في هذه الآية الكريمة بالمنشور في ضوء سيرة أم المؤمنين وعلاقتها برسول الله، خاصة أن كثيرًا من الشباب والشبّان يدعون في الشهر الكريم أن يرزقهم الله الزوج الصالح أو الزوجة الصالحة.
يدعو عباد الرحمن في سورة الفُرقان "رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا". هذا الدعاء ينقسم إلى قسمين، القسم الأول هو ما يتعلق ببناء الأُسرة، أن يكون الزوج والزوجة والأبناء راحة وسعادة لبعضهم البعض. وقد ورد في الحديث أن خير متاع الدنيا المرأة الصالحة. وقد كانت السيّدة خديجة نعم الزوجة الوفيّة، التي قال رسول الله (ص): "ما أبدَلَني اللهُ عزَّ وجلَّ خَيرًا منها"، فمنها أُعطي نبينا الكوثر، السيدة فاطمة وولدها، وفي بيتها رُبّي الإمام عليّ بعد أن كفله النبي، صلوات الله عليهم أجمعين.
أما الشق الثاني في دعاء عباد الرّحمن، وهو ما نريد أن نركّز عليه، فهو شق رسالة البيت المؤمن. الزواج نعم قد يكون علاقة إنسانية تقر بها العيْن وتشبع بها الحاجة الفطرية إلى الدفء والأنْس. لكن هناك بعد آخر أسمى من ذلك، هو أن يكون لهذه الأسرة تطلّعًا إيمانيًا وقياديًا.
هذا الدّور لا يتحقق إلا إذا آمَنَ الزوجة بزوجها (والعكس). يمتدح رسول الله (ص) السيدة خديجة بأنها "آمَنَتْ بي إذ كفَرَ بي الناسُ، وصدَّقَتْني إذ كذَّبَني الناسُ"، هنا الإيمان بالطبع يعني الإيمان بالله وبرسالته، ولكنه في نفس الوقت يعني الإيمان بهذا الزوج وبرسالته في الحياة حتى قبل أن تعرِف ماهية هذا الوحي الذي أنزِل إليه، وما الدين الجديد الذي أتى به. بينَما كان يرتجف، إذا بها تقول له: "والله لا يخزيك الله أبدا؛ إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق".
وقد كان هذا الإيمان سابقًا على الوحي، فعندما كان رسول الله (ص) يختلي بنفسه في غار حراء، كان كما ورد في الحديث: "يَرْجِعُ إلى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ"، والزاد هنا هو الطعام والشراب، وهو في الوقت نفسه الزاد المعنوي والنفسي من الزوجة التي تعين زوجها على تحقيق رؤيته في هذه الحياة، حتى لو كان ذلك يعني أنه سيبتعد عن بيته. وهو نفس النموذج الذي اتبّعته ابنتها السيّدة فاطِمة من بعدها في إعانة أمير المؤمنين على القيام بواجبه نحو الرّسالة، واشتراكهما معًا في التصدّق رغم الفاقة، كما في القصة المعروفة لنزول آية: "وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا". وقد نالا معًا منزلة الأبرار بإيمانهما ببعضهما البعض، ورُب بيتٍ ينهار بسبب الاختلاف في الأولويات ورؤية الحياة بين الزوجين.
هذه المسؤولية القيادية قد تكون بحسن تربية الأبناء لكي يرتقي المجتمع جيلًا تلو جيل، وقد تكون بالعَوْن المشترك على العبادات والطاعات، أو غير ذلك مما تحدده الأسرة لنفسها في هذا الخط. ومن حسن حظنا في هذا الزمان أننا نرى نموذجًا مشرِّفًا قل نظيره يتمثّل في زوجات المجـ//هدين، هؤلاء الصابِرات المحتسِبات اللائي يصبرن على غياب الزوج وتعرضه للمخاطر والمهالك، ويحفظن البيت ويربين الأبناء، لا يظهرن في المشهد إلّا عندما يبتلين بالفقد، يخرجن ليقُلن أن هذا فداء للمقـ//ومة، أو "هيهات منّا الذلّة"، ثم يعُدن إلى بيوتهن لتنشئة الأبناء على نفس النهج بكل صلابة وبأس. ومثلما نندهش من كل زوجة شهـ/يد نسمع في صوتها صوت السيدة زينب عليها السلام، فلا بد أيضًا أن نُدرك ونستشعر حجم الدين في رِقابِنا لكل زوجة سارت على درب السيدة خديجة رضوان الله عليها بالدعم والمواساة والمؤازرة. قليلة هي البُيوت التي تُبنى على هذا المعنى النبيل، وقليلة تلك الأُسَر التي تستحق إمامة المتقين.