You are the best nation ever brought forth to mankind
كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ

كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ

في هذه الآية، يصِف القُرآن الكريم ميزة أمة محمد (ص) على كل الأمم، ومسؤوليتها الكُبرى أيضًا. بعد أن نقض بنو إسرائيل عهدهم مع الله مرارًا، آن الأوان أن يظهر دين الله على الدين كله على يد الأمة المُختارة. أمتنا إذًا خُلقت للقيادة، لكنّ الوصول إلى هذا الاستحقاق يتطلب اجتهادًا كبيرًا، ويتطلب أيضًا أن ننظر في حال الأمم التي حولنا وما هي القِيَم التي إن تمسكنا بها سنستحِقّ المِنة الإلهية بالتفضيل عليها جميعًا؟

خلال الفترة الماضية، اتضح أنه بينما فضّلت الأغلبية التخلّي عن هذه المسؤولية، ظلت هناك قلّة قليلة ظلت تُمثِّل الإسلام المحمديّ الأصيل، وظل قادتها يؤمنون بأن هناك سبيلًا واضحًا للوصول لهذه المكانة الموعودة، فجسدوا ثلاثة قِيَم أردنا أن نسلط الضوء عليها من مواقفهم العملية كي يكونوا أسوة حسنة لمن أراد أن يقتفي أثرهم.

القيمة الأولى: "تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ"

في هذا العالم الغارق في عبادة الطاغوت والخنوع لقوى الاستكبار، ووسط نظام عالمي متوحش لا يعترف بالضعيف ولم يستطِع إيقاف حرب الإبادة شهورًا. تجد القادة قد اختاروا أن يكونوا صرخة المستضعفين وصيحة الشعوب. ولسنا بحاجة للإسهاب في أن محور المقـ//ومة كان الطرف الوحيد في الأرض كلها الذي واجه العلو الكبير بالقوة وبالحسم، ودفع أغلى الأثمان مقابل ذلك.

وعندما نعود إلى خطابات السيد الأمين على مدار ثلاثة عقود، تجد أنه مهما كانت المناسبة، سواء كانت تخرج دفعة من الطلبة أو افتتاح مناسبة دينية أو إطلاق احتفالية اجتماعية، وسواء كان يحدّث صغارًا أو شبابًا أو كبارًا، لابُد أن يعود الحديث إلى الكفاح ضد قوى الاستكبار العالمية، وإلى أهمية مجاهدتها بالقول والفعل كواجب شرعي لا يجوز التخلي عنه.

القيمة الثانية: "كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ"

في هذا العالم الغارق في المادية، تجد القادة يمزجون بين الجانب البراجماتي العملي في قراءة معطيات السياسة، وبين الجانب الرباني الذي يُعلي من قيمة الإنسان، لهذا نراهم حريصين على تغذية الجانب الروحي للأمة بالدروس والمحاضرات، خاصّة في شهر رمضان، يخصصون الساعات من أوقاتهم وهم المهددون المستهدفون دائمًا، المثقلون بالمسؤوليات الجسام، لكي يربطوا جمهور المقـ//ومة بالكتاب وبالحكمة، يستقون العبر من التاريخ والقصَص، ويثيروا للناس دفائن العقول. هكذا يفعل الآن السيد أبو جبريل في اليمن، والشيخ (ن. ق.) في لبنان، ومن قبلهما كان السيد الأمين أحرص ما يكون على محاضرات رمضان وخاصة في الثلث الأخير منه وفي الليالي الأولى من المحرمّ.

القيمة الثالثة: "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ"

في هذا العالم الغارق في التفاهة، تجد القادة حريصين على التثقّف الدائم والقراءة. يحكي الشيخ (ن. ق.) في حواره الأخير أنه عندما اشتدّت المعركة والقصف على لبنان، طلب بعض الكتُب ليطالعها كعادته لأن الخطر لا يعني أن "يعطّل تفكيره". ويحكي الشيخ حسن حمادة أن السيد الأمين قبل ارتقائه بثلاثة أيام فقط أرسل إليه يطلُب كتابًا في اللغة العربية. وكذلك قادة غزة شاهدناهم مرارًا ينشدون شعر القدامى والمحدثين في ثنايا كلامهم. هذه الثقافة ليست معرفة خاوية ككثير ممن يسمّون بـ "المثقفين"، وإنما ثقافة هادفة للارتقاء بالوعي الفردي والجماعي.

في هذا الزمن الصعب، أسعدنا الله بقادة يجسدون هذه القِيَم الثلاثة قولًا وفِعلًا، ويؤكدون لنا أن هذه الأُمة عندها من الرصيد الروحي والعقائدي والحضاري، ومن القدوة الحسنة والنماذج الإنسانية السامية ما يؤهلها حقًا لأن تكون خير أمة أخرجت للناس.

تاريخ النشر 12-03-2025