Khadija
خديجة

القيم التي أورثتها السيدة خديجة للبشرية .. إرث يتجاوز الإسلام والمسلمين | الشيخ القاضي محمد كنعان

هذه محاضرة مفيدة جدًا للشيخ القاضي محمد كنعان عن السيدة خديجة وفيها جوانب ملفتة للتأمل وأخذ العبر.

لفتني عدة أمور: أنها سلام الله عليها تجسد معجزة التوازن بين الثراء والطهارة في مجتمع طعمت أخلاقه بسموم الربا وفساد الأخلاق، فهي سميت بسيدة قريش والتسيّد كان ثورة أخلاقية تتمثل برفض أن تلج شبهة إلى مالها، وكانت الطاهرة كاملة العفة والخلق لا سيما في مجتمع لا يكاد يخلو حي من أحيائه بالفسق. وهي استحقت التسيّد لأنها انقلبت على مفاهيم عصرها وزمانها، فقد كانت مُوحِدة منذ صغرها ولم يذكر أحد من المؤرخين أنها وسجدت لصنم أو هيكل.

وأيضًا أنها سبقت الناس إلى الإسلام فحينما نقرأ قوله تعالى " ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان" فنحن جميعًا إلى يوم القيامة مأمورون بالاستغفار لها باعتبارها السابقة. واستغفارنا لها لن يزيد في كرامتها ولكن حين يكون الاستغفار تكليفًا لابنتها فاطمة هذا يعطي بُعدًا آخر للاستغفار لأن الزهراء التي يرضا الله لرضاها ويغضب لغضبها مأمورة بالاستغفار لأمها فأيّ مقام وصلت له السيدة خديجة؟!

وأخيرًا: إن الله سبحانه وتعالى يطهّر دينه كما يطهّر أولياءه، فإنه لم يرضَ للإسلام أن يقوم إلا على مالٍ طاهر، فكما أنزل تطهير آل البيت في قوله: "ويطهركم تطهيرًا"، فقد أذهب عن الإسلام رجس أن يُبنى بمال فاسد، فقد جعلت السيدة خديجة ثروتها الطاهرة جسرًا للدعوة، فكان مالها وقودًا للإسلام الناشئ: أعتقت به العبيد، وحمت الضعفاء، وموّلت سرايا النبي صلى الله عليه وآله. وهذا المال - بخلوصه - صان بني هاشم من فخ الطعن لو ساهموا في تمويل الدعوة. فأبو لهب لن يساهم مع النبي وقد تبت يداه، وأما بقية بني هاشم فلو كانوا رافدًا أساسيًا لدعوة النبي لقال قائلٌ بعد ذلك: فرض لهم الخُمس، قد أسلفوه ووفى لهم من الدين. حتى إن النبي ظل يذكر فضل مالها قائلًا: "ما نفعني مال كما نفعني مال خديجة".

عدا عن أن الدين قد تأسس في بيتٍ عماده التقوى، وبنيانه التوحيد، جمع بين الصادق الأمين وسيدة نساء قريش، فلم يكن زواجهما عاديًا، بل كان اجتماعًا بين قلبين سليمين هيأهما الله ليكونا نواة لأسرةٍ أنجبت سيدة نساء العالمين، وأم الأئمة الطاهرين. بيتٌ أذن الله أن يُرفع، وارتفعت معه راية الإسلام، ومن نوره أضاء مصباح الهدى. كانت حكمة الله في أن يهدي نبيه إلى امرأةٍ طاهرة، تسانده لا تثبطه، وتعينه لا تعوقه، فكانت خديجة بحق أم المؤمنين

تاريخ النشر 13-03-2025