بوصلة القرآن لنهضة الأمة وارتقاء المجتمع البشري
بُعِثَ نبينا الأكرم محمد "ص" فكان مطهَّرًا للقلوب من زيغها، ومُنقّيًا الأفكار من جهلها، مُقوّمًا النفوس من انحرافها، فارتقى بالأخلاقيات من انحطاطها، وأنقذ البشرية من ظلماتها لنور الحي المُنَزّل، لأنه علِمَ أن كل معرفة متعلقة بإدارة المجتمع الإنساني وكل معرفة تتطلب الهداية هي موجودة في القرآن (هُدًى لِلنّاسِ)، فجَدّ في بناء الوعي القرآني في المجتمع وجعله مرجعية أصيلة لاستقامة بنو البشر وارتقائهم على كافة الأصعدة، فابتدأ بفتَحَ قلوب العباد بهدى القرآن قبل أن يفتح أسوار البلاد بالسِّنان، فلّمّا هجَرت الأمة بعده القرآن واتَّخَذَتهُ مُجَرّد كتاب مُقَدّس ومبارك (إِنَّ قَوْمِيْ اتَّخَذُوا هَذَا القُرْآنَ مَهْجُوْرًا) أصبح شكلاً ظاهريًا من التلاوة والحفظ دون فهم وتجسيد لحقيقة مضامينه، تاركة بذلك مساحة للمرجعية الليبرالية حتى نخرت مجتمعاتنا الإسلامية وتَفَشّى فسادها في الأرض، فانحرفت بوصلة الأمة عن الهدى، وغفل أبناؤها عن خلافتهم الأرضية ودورهم السُموّي المكلّفون به لاستنقاذ البشرية، حتى غدى الحال كما هو واقعنا المتمثل في "إعادة تدوير" أزمات التاريخ.
على الأمة أن تدرك بأنَّ جذور جميع المشكلات التي تعانيها البشرية هو في افتقارها مرجعية أصيلة تُقَوّمها من اعوجاجها وتنتشلها من ظلماتها، فمهما تقدّمت القوى العالمية ماديًّا ستبقى مُفتقرة لمقوّمات الارتقاء الإنساني وذلك لعدم امتلاكها مشروع إلهي، وهذا يجب أن يدفعها لتصحيح مسارها وعودة القرآن كمصدر للهدى ومنهجًا له تأثيره الفاعل على الحياة الإنسانية، وذلك بتدبر آياته وفهم مضامينه والعمل بما فيه، فهذه العلاقة المباشرة بالقرآن هي ما ستبني في الأمة أُسس قِيَميّة تُمَكّنها من استعادة دور خلافتها المُكَلّفَة به وتحقيق غاية وجودها (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ) فتستحق التشريف الإلهي (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ...). يتَبَيّن أن عودة القرآن لمركزيته في حياتنا، يترتب عليه مباشرة عودة صدارة الأمة الإسلامية بين جميع الأمم، وفي ذلك نفع لكافة البشرية.
يقينًا رغم محاولات سطوة الباطل، إلاّ أن هذا الدين سيمتد من مشارق الأرض لمغاربها (وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ..) فلنحرص لنكون أهلاً لحمل الراية وحماةً للكلمة، وهُداةً للأُمم، لنُظهِرَ فضل الله علينا لا تفَضّلنا، فينتصر الإسلام لا القومية، وينتصر القرآن لا الحضارة، وينتصر الحقّ لا القُوّة.