Eat of the good things
كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ

✍🏼 @_rahafalyan

ارتباط الأكل الطيب بارتقاء الأُمّة وسقوطها بكثرة الخبائث

إن الله في محكم كتابه حين يوجه خطابًا لعباده يبتدأ أولاً بتحديد نوع الفئة المخاطب إياها وفقًا لنوع إرشاده، ويُظهر القرآن تنوع الفئات التي يُخاطبها: (يا أيها الذين آمنوا) (يا أيها الكافرون) (يا أيها الناس).

وفي الآية الكريمة خطاب الله موجّه لـ "المؤمنين" حيثُ نادى عباده بقوّة إيمانهم شحذًا لعزيمتهم ورفعًا لمعنوياتهم، فمِن حسن تعامله أنه يُهَيّأ نفسية عباده قبل أن يأمرهم، وأيضاً في هذا التخصيص دلالة على أن التوجيه الذي يليه بحاجة لقوة إيمان ولن يمتثله بحق إلا المؤمنون. فكان الأمر أن (كُلُوا) بشرط (مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ) الأوامر الإلهية تأتي لارتقاء العباد أو دفع مضرَّة عنهم، وغالبًا ما فيها ارتقاء يكون شاملاً ليحدث ارتقاء داخلي نفسي- وخارجي مادي، والأكل الطيب المادي يشمل الأغذية النافعة من الطعام والشراب وكل عنصر مادي يدخل للجسد من المواد الموضوعة على الجلد "البشَرَة".

أما الجانب المعنوي فهو كل مصدر يؤثر على الصعيد النفسي ويُستقى منه الأفكار والمشاعر مثل الكتب والمقاطع الصوتية.. إلخ.

ولأن الجانب المادي دومًا مرتبط بالنفسي فكل منهما يؤثران في الآخر، ويؤكد على ذلك نوع الطعام المُسَخّر للنبي يونس "ع" بعد خروجه من بطن الحوت {فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ} {وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ} فثمرة اليقطين تحوي على عناصر تساعد في تشافي نفسه وجسده إثر ما لقيه من مكوثه لمدة زمنية في بطن الحوت، وهذا الارتباط قد يلزم أولاً حدوث ارتقاء نفسي لينعكس على الجانب المادي والعكس صحيح. فكما تؤثر الأفكار والمشاعر الطيبة على واقع صاحبها من اختياراته وسلوكياته فإن الخبائث أيضًا لها مآلات ومخاطر عليه. وتوضح الآية أن انتقاء الطيب هو من شكر الله وحسن التعامل مع نعمه كما أن الشكر مقترن بعبودية الله (وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ).

في موضع آخر (كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ) أمر يليه نهي بعدم وجود "الطغيان" الذي يجاوز الحد من كثرة الأكل بتنوعه النفسي والمادي وترك كل ما أحدث فيه طغيان فأصبح ضارًا، فكما الأكل غير الصحي يضر الجسد فالأكل المعنوي غير الصحي يضر النفس، وعاقبة ذلك غضب الله فَيَحِلَ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى) فتتحول كل نعمة أصلها منفعة وارتقاء للعبد لنقمة تضره وتسقطه حتى يهوي على مختلف الأصعدة، فتهوى صحته، قوته، سلامة فكره وقلبه وتدنّس نفسه بكثرة إدخاله للخبائث ومخالفته لأمر الله بإتباعه للشيطان الذي يعزز للعبد إتباع هوى نفسه حتى تعمى بصيرته فيضل عن هدى ربه وجاء ذلك في خطاب الله لكافة الناس واصفا الطيبات بالحلال (يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ).

إذا عكَسنا هذا المفهوم القرآني للأكل على واقع ما تعيشه الأمة، فإن كثرة إدخال الخبائث التي أُحدِثَ فيها طغيان من تزييف للحقائق والتي تُمَثّل الأبواق الإعلامية المختصة في كي وعي الشعوب وتعزيز السردية الصهيونية فإن المُستقون لتاريخهم وحاضرهم منها هم من اتبعوا هوى أنفسهم حتى ضلّوا وأَضَلّوا وبإتباعهم للذين طغوا أصبحوا مثلهم واستحقوا عاقبة الغضب الإلهي الذي يهوي بمساعيهم وإمكاناتهم ومخططاتهم، وفي المقابل الذين استبصروا وانتقوا بحرص أن يكون أكلهم طيبًا فأخذوا الحقائق من مصادر موثوقة، ليس فيها خبث ولا طغيان فتبيّنوا وبيّنوا ورفعوا راية الحق، هؤلاء ارتقوا بأنفسهم عن كل باطل يُدَنّسهم ويهوي بهم، فاستعملهم الله لنهضة الأُمم.

تاريخ النشر 22-03-2025