يوم القدس العالمي: منارة النضال وأساس النهضة
✍🏼 @hassanomar_99
إن القدس تبقى البوصلة الثابتة في معترك التاريخ، إذ كانت وما زالت نور الهداية قبل وبعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران. ففي السابع من آب عام ١٩٧٩ – بعد مضي ستة أشهر على انتصار الثورة – أعلن الإمام الخميني الجمعة الأخيرة من شهر رمضان يومًا للقدس، معلنًا بذلك أن القدس عاصمة السماء ورمزًا للمستضعفين في كل فجٍ من فجاج الأرض، يومًا تواجه فيه شعوب العالم جميعها قوى الاستكبار والاستعمار. هذا الإعلان لم يكن مجرد شعار، بل كان ميزانًا للحركات التحررية والثورات، حيث تُقاس قيمة أي مشروع نهضوي بمدى قربه من فلسطين، فعبور بوابة القدس شرط لقيام المشروع الإنساني وتحقيق التحرر الحقيقي.
لقد كان منهج الجمهورية الإسلامية في إيران منهجًا سياسيًا وعرفانيًّا في آن، فلم تكن السياسة مجرد صراع على السلطة، بل مسارًا تكامليًا مع العرفان، حيث تقاس القضايا السياسية بمقدار القرب من الله سبحانه وتعالى. وفي هذا السياق، لم يكن اختيار الجمعة الأخيرة من شهر رمضان يومًا عالميًا للقدس مجرد قرارٍ سياسي، بل كان قرارًا ينبع من فهمٍ عميقٍ لمعنى العبادة والمسؤولية. وكأن مفجّر صرخة يوم القدس أراد أن يقول: إذا كان شهر رمضان هو أهم دورة تدريبية وروحية للأمة الإسلامية، وإذا كانت العشر الأواخر ذروة هذا الشهر، وفيها ليلة القدر التي تحدد مصير الإنسان، فمن المفترض أن يدرك المؤمن مسؤوليته تجاه قضايا الأمة. فبعد السير الداخلي الذي يصقل الروح خلال الشهر الكريم، تحتاج الأمة في مسارها الخارجي إلى القدس، إلى فلسطين، إلى مواجهة الظلم والاستكبار. وكأنه يقول: إن شهر رمضان دون القدس لا يكتمل، وصيام الأمة مشروط بكيفية تعاملها مع قضية فلسطين.
إنها ليست معركة شعبٍ واحد، بل معركة الأمة كلها ضد قوى الهيمنة والاستعباد. ومن هنا، فإن إحياء يوم القدس هو تأكيدٌ على أن فلسطين هي عنوان الصراع الكوني، وهي الميزان الذي يُكشف به صدق المواقف وزيف الادعاءات. إنها القضية التي لا انفكاك بينها وبين جوهر الإسلام، فكل من ادعى الإسلام ثم حاد عن قضية القدس فقد انحرف عن جوهر الدين.
وفي هذا الإطار، نقول: إن صرختكم طريق النصر. هذه ليست مجرد كلمات، بل عهدٌ والتزام، فإن لم تعرفوا من أين تبدأون، وإن حاصرتكم المؤامرات، فلا تيأسوا، بل اصرخوا؛ فالله إذا انطلقت صرخة من قلوب صادقة، تكفّل بها حتى تثمر نصرًا يزلزل عروش الطغاة والمستكبرين.
إن يوم القدس هو اختبارٌ للأمة، وهو تأكيد على أن العبادة لا تكتمل إلا بالموقف، وأن العرفان لا يكتمل إلا بالمواجهة، وأن الإيمان لا يكتمل إلا بالتحرك لنصرة المظلوم. ففي كل موقف شريف، وفي كل صرخة حق، وفي كل يد تُمدّ دعمًا للقضية، نخطو خطوة نحو النصر والتحرير، مُحيين بذلك روح النضال وبُشرى النهضة التي طال انتظارها. ولن يكتمل رمضان الأمة إلا بعودة القدس إلى أهلها، ولن يُكتب لهذه الأمة فجرٌ جديد إلا بعد تحرير فلسطين بالكامل.