الانتصار بالنقاط: كسر هيبة الفرعون
حسن ياسر عمر @hassanomar_99
إن من سنن الطغيان، أن يصنع الفرعون حول نفسه هالةً من الرهبة، لا بسطوة السلاح فحسب، بل بصناعة الخوف في العقول. فهو لا يريدك فقط أن تطيعه، بل أن تراه قدرًا لا يُرد، وسيفًا لا يُكسر. ومنذ أن قال فرعون: "ما علمتُ لكم من إله غيري"، وهو يمارس القهر المزدوج: قهر الجسد وقهر التصور.
وحين تصطدم الأمة بفرعون العصر، لا تكون المعركة عسكرية فقط، بل هي معركة على وعي الناس. والصهيوني اليوم، لم يُحكم قبضته على فلسطين فقط بالدبابة، بل بصناعة صورة لا تُهزم: جيش لا يُقهر، استخبارات لا تخطئ، دولة مدعومة من الغرب والسماء. هذه الصورة كانت السلاح الأفتك، الذي جعل بعض العرب يرونه أمرًا واقعًا، وجعل بعض الأنظمة تركع له، وتُقنّع خضوعها بلغة الواقعية.
لكن "الانتصار بالنقاط" لا يبدأ من هدم الجدران، بل من نزع الرهبة من القلوب. وقد بدأ ذلك فعلًا. فمنذ هزيمته في جنوب لبنان عام 2000، والعدو ينكسر وجهه أمام جيلٍ لا يهاب، جيلٍ لم يولد في زمن النكبة، بل وُلد وفي يده الكاميرا والبندقية، يعرف كيف يكشف زيفه، ويضربه في قلب صورته.
كُسرت هيبة الفرعون حين رأيناه يهرب من جنوب لبنان تحت جنح الليل، ويصرخ في نِحال عوز، ويستغيث في الخِيام وبنت جبيل، ويحــ.ــتـ/ق في غزّة، وتُد/س رأسه ويُذل كما في ٧ أكتوبر وتصل إليه المسيّرات وهو يأكل الطعام ودمـ .ــه يسيل في المستشفيات، ويطلب الوساطة من حلفائه. كُسرت هيبته حين بكى جنوده على الهواء، وحين صار يدفن قتلاه ليلاً في صمت.
ولم يكن هذا الكسر دفعة واحدة، بل بنقاطٍ من التعرية النفسية، تراكمت حتى صارت موجة. في كل مرة يُهاجم فيها، ويصمد فيها المقاوم، ويتأخر فيها الحسم، وتتآكل فيها ثقة الجمهور الصهيوني، فإن نقطة جديدة تُسجَّل لصالح المعركة.
هذا هو جوهر الانتصار بالنقاط: تفكيك صورة العدو التي حَكَمتنا قبل أن يَحْكمنا، وقتل الفرعون في الوعي قبل أن يُقتل في الميدان.
لقد صار سؤال الانهيار مطروحًا داخل كيانه، لا على ألسنة خصومه فحسب. وهذا وحده نصرٌ كبير. حين يفقد العدو ثقته بنفسه، وينقسم داخليًا، وتضطرب سرديته، ويشكّك في قدرته على البقاء، فإن المعركة تتحول إلى صراع وجود.
إن كسر هيبة الفرعون لم يتم برصاصٍ فقط، بل بصوت، بكلمة، بصورة، بموقف. حين ترى صبيًا في الضفة يتحدّى الدبابة، وطفلًا في غزة يبتسم تحت الركام، ومُسنًا في لبنان يشكر الله على نعمة المقاومـــ.ـة، فأنت ترى شعبًا حرّر نفسه من عقدة الخوف، واستعاد ثقته أن هذا العدو قابل للكسر، وأنه كغيره من الطواغيت، إلى زوال.
"وسيعلم الذين ظلموا أي منقلبٍ ينقلبون".