So he fooled his people and they followed him.
فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ

الانتصار بالنقاط

في كل مشروع استكباري، يكون أول ما يُستهدف هو عقل الجماهير. ففرعون، وهو النموذج الأول للطغيان، لم يحكم بقوة السيف فقط، بل بـ"الاستخفاف". قال تعالى: "فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ".

الاستخفاف هنا ليس مجرد استهزاء، بل هو صناعة منهجية لتفريغ العقول، وتسطيح الوعي لكيّه ثم سحقه، وتكييف الشعوب لقبول الذلّ بوهم العظمة. إن أخطر أدوات الطاغية ليست قواته، بل روايته التي يُقنع بها القطيع أن لا خيار لهم سواه، وأنه مصدر الأمن والخلاص.

المشروع الصهيوني لم يكن استثناءً من هذه السننية، بل هو أقرب صورها الحديثة. فقد بنى هيبته على إعلام استخفّ بالأمة حتى صدّق البعض أن إسرائيل لا تُهزم، وأن جيوش العرب "لا تصلح إلا للعروض العسكرية". وقد انطلت هذه الخدعة طويلًا، حتى على كثير من النخب.

لكن المقاومة، حين بدأت، لم تبدأ من البندقية فقط، بل من كسر هذا الاستخفاف. من لحظة قرر فيها المقاوم أن يثق بأن الله أكبر من إسرائيل، وأن الإعلام ليس وحيًا، وأن الهزيمة نفسية قبل أن تكون ميدانية. وهكذا بدأ مشروع تراكمي، نقطةً بعد نقطة، يكسر الصورة، ويهدم الصنم.

كل عملية فدائية، كل كمين في غزة، كل صاروخ يخرج من الجنوب، كل شريط مصور لمقاتل يتسلل خلف خطوط العدو، هو ضربة في جدار الاستخفاف. بل كل خطبة، وكل منشور، وكل قصيدة تُعيد الاعتبار لفكرة النصر، هي طلقة في رأس الرواية الصهيونية.

نحن في معركة سردية بقدر ما نحن في معركة عسكرية. والجيل الذي يُحسن طرح الأسئلة، والتشكيك في خطاب عدوه، هو جيل خرج من ربقة "فاستخف قومه فأطاعوه"، وسلك درب "فزادهم إيمانًا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل'.

ولأن الاستخفاف صناعة متواصلة، فإن الوعي المقاوم لا بد أن يكون مشروعًا تربويًا دائمًا. هذه نقطة من نقاط الانتصار: أن لا تنخدع الجماهير بهيبة الطغاة، وأن تفضح زيفهم، وترد على استخفافهم بإيمانها، وعقلها، ورصاصها.

- حسن ياسر عمر

تاريخ النشر 10-04-2025