It is a struggle of wills, not moments.
إنه صراع الإرادات، لا اللحظات

صراع الإرادات
✍🏼 @batoulkassir

لم ينشأ الكيان الصهيوني في ليلةٍ ظلماء ولا بلحظة عبثية خاطفة، بل كان ثمرةَ عقودٍ طويلة من التخطيط المتقن، والزرع الخبيث، والعمل المتواصل، والصبر الإستراتيجي بعيد النظر. من قَبل مؤتمر بازل عام 1897 حين قال هرتزل: "بعد خمسين عاماً، سيكون لنا وطن" -هذه الجملة التي كرسها ثقافيًا في كتابه "الدولة اليهودية" قبل عام من ذلك- إلى وعد بلفور عام 1917، إلى الحروب العالمية التي غيّرت خرائط الأرض وموازين القوى، وكل افتعال هنا وتدبير هناك لتمرير المشروع وتذويب الوعي واستغلال أفضل الفرص للهيمنة.

كان كل حجرٍ في الهيكل يبنى، وكل خطوةٍ تُحسب، وكل حراك دبلوماسي أو عسكري أو ثقافي يُوظّف ليصبّ في نهر الهدف الكبير: إقامة كيان صهيوني توسعي ابتداء من أرض فلسطين امتدادا من النهر إلى النهر.

لذا لم تكن النكبة فصلاً مأساوياً فجائيًا وانطوى، بل كانت نتيجة طبيعية لتراكم الجهود الصهيونية وتقصيرٍ في الوعي العربي الجمعي. غير أنها لم تكن في الوقت ذاته، نهايةً للأمل في المنطقة، بل بدايةً لشرارةٍ أوقدت شعلة المقاومة.

واليوم، ما زال بعض العرب يتوهمون أن التحرير معجزة تهبط فجأة من السماء، أو نصرٌ يولد بلا مقدمات، ووعد يأتي بشكل مباغت دون تهيئة الأسباب الطبيعية له، متناسين مسؤولياتهم تجاه الأمر وتكليفهم، بينما حين تحل بعض الخسارات، أو تخبو نار الحماسة، لا يبقى إلا طريق التطبيع ممهداً أمامهم، كأنه قدر لا مفر منه، إما خوفًا من بطش أو طمعًا بمكسب.

لكن المنطق أن العجلة التي دارت علينا تحتاج قوةً مناهضة لتعود بها أدرجاها، وأن التحرير لا يقل تشابكًا وتركيبًا عن الاحتلال، فلا بد له من مشروع مضاد: رؤية واضحة، معرفة للتكليف، وعمل دؤوب، وتخطيط طويل الأمد، واستثمار في الإنسان والوعي، والتجهيز والإعداد، والتطوير والبناء، والأمل والثبات، لا في الشعارات اللحظية، بل بالعمل على مشروع تحريري مستدام.

فكما صاغوا احتلالهم حجراً حجرا، ومجزرةً مجزرة، على أمة الحق أن تبني خلاصها شهيدًا شهيدا وولادةً ولادة وطلقًة طلقة ونفقًا نفقا، بأمل وإيمان، دون كللٍ ولا انهزام ولا استسلام. إنه صراع الإرادات، لا اللحظات، وإنّا بعون الله عاملون على مكانتنا، وبنصر الله ممهدون، منتظرون، مرتقبون.

تاريخ النشر 20-04-2025
اقتباسات أخرى ذات صلة