الليالي العشر وانتظار الفرج
أقبلت الليالي العشر المباركة من شهر ذي الحجة، وهي الليالي التي أقسم بها الله تعالى في مطلع سورة الفجر على أحد الأقوال في تفسير الآية. وقد ورد في الحديث الصحيح أنه: "ما من أيام العمل الصالح أحب إلى الله فيهن من هذه الأيام"، وقيل أنها هي الليالي التي أتمّ الله بها أربعين ليلة لموسى عليه السلام.
من عادة القرآن أن يُقسم بما هو معلوم في عالم الشهادة، مثل قسمه بالقلم في (ن ۚ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ) وبالطور في مطلع سورة الطور. ومن عادته أيضًا أن يفعل العكس، فيقسم بالغيب، مثل قسمه بالملائكة في سورة الصافات (وَالصَّافَّاتِ صَفًّا * فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا * فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا).
وقد يمزج بينهما، فيجمع الغيب والشهادة معًا، تنبيهًا لخطر المقسم عليه، مثل قوله تعالى (فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لَا تُبْصِرُونَ * إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ)
والقسم في مطلع سورة الفجر من هذا النوع الأخير، لأن الليالي العشر هي جزء من زماننا الأرضي، لكنّها في الوقت نفسه تحمل معانٍ غيبيّة لما لها من الفضل المضاعف، ولارتباطها بشعائر الحج. فعلام يُقسم الله تعالى؟
جواب القسم تفسّره الآيات التالية، التي تحكي مصارع أقوى الجبابرة، عاد وثمود وفرعون، وأن نهايتهم ونهاية كل أمثالهم هي الهلاك والأخذ الشديد (فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ). يلتفت سيد قطب في تفسير هذه الآية إلى أن هذا الوعيد الشديد يفيض طمأنينة خاصة، "فربك هناك، راصد لا يفوته شيء. مراقب لا يند عنه شيء، فليطمئن بال المؤمن ولينم ملء جفونه فإن ربه هناك بالمرصاد للطغيان والشر والفساد."
ولذلك كان من بديع التناسق في هذه السورة أن تنتهي أيضًا بالبشارة لمن صدق قسم الله ونالته هذه الطمأنينة ( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً)
ربّما كان المقصود إذن من هذا الربط بين الفجر والليالي العشر وبين هلاك المتجبّرين، أن يوقن الإنسان أنه مثلما يأتي الفجر في موعده كل يوم، وتأتيه تلك الليالي في موعدها من كل عام، فإن فرج الله آتيه لا محالة في موعده أيضًا، وأن يكون يقينه في ذلك كيقين الملائكة إذ تُبشر لوط عليه السلام والمؤمنين معه: (إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ ۚ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ).
وفي هذا العام، وإخواننا في غزة يشتد بهم الحصار والبلاء، وقد اشتدت الفتنة من كل جانب، يحتاج المقبل على العبادة في هذه الليالي العشر أن يتذكر أن من أعظم العبادات انتظار الفرج بنفسٍ مطمئنة، وتصديق لوعد الله عز وجل.