في ظل الأخبار عن ارتقاء القادة العسكريين في الجمهورية الإسلامية، ربما يشعر البعض بالقلق أن ذلك قد يؤثر في ميزان المعركة. ويظنون أن هذه مفاجأة أربك بها العدو الصفوف. والحقيقة هي أبعد ما يكون عن ذلك.
في لقاء تلفزيوني مع الدكتور فريدون عباسي، رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية الذي ارتقى في هجمات الليلة الماضية، سأله المذيع: "ألا تخاف من الاغتيال؟"
فكانت إجابته الهادئة: "نمارس الحياة بشكل طبيعي.. والآن تقريبًا انتهى عملي وسلمنا الأمر للشباب"
هذه الإجابة تعكس طبيعة العمل في المقـ//ومة، التي هي ليست جيوشًا مترهّلة يتوقف بنيانها كله على إرادة القمّة، بل بسبب كونها دائمًا في معرض الخطر، فإن نقل الخبرات فيها يتم بشكل مكثّف، وتوضع الخطط ومعها في نفس الوقت أكثر من بديل. ولو سُئل كل قائد يرتقي هل فوجئ بذلك المصير؟ لأجاب فورًا بالنفي، بل أشار أكثر من قائد في عدة مناسبات أنه كان يعرف أنه ضمن بنك أهداف العدو.
المرونة في التخطيط ليست فقط ضرورة ميدانية بحكم القتال مع خصم دنيء ومتجبّر، بل هي كذلك سُنّة عن النبي صلى الله عليه وآله. ففي غزوة مؤتة أمّر على الجيش ثلاثة أمراء (زيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب، وعبد الله بن رواحة)، فإن قتل واحد يقوم التالي له القيادة، لكي يظل سير المعركة منضبطًا.
وقد شاء الله في هذه المعركة أن يُقتل الثلاثة جميعًا، مع الإعداد الحسن والتفكير الثاقب في البدائل. ولكن حينئذ يصبح الأمر متروكًا للمسلمين أن يخرج منهم من يتخذ زمام المبادرة، لأنهم في كل حال بعين الله وفي معيّته. والنصر لا يأتي به فلان أو علان لكي يهلع الناس برحيل أحد.
لذلك عندما نُعي القادة تباعًا في المحور، في غزة وفي لبنان واليوم في إيران، لم يكن ذلك مؤشر ضعف أو وهن، بل هو النتيجة التي توقعها هؤلاء القادة، وأعدوا لها العُدة جيّدًا، وفي من سيخلفهم إن شاء الله كل الخير لأن الخبرة قد نُقِلت، والبوصلة قد تحدّد اتجاهها، ولا يبقى إلا حسن الثقة بالله وبحكمته.