رَجَعَ كَيَومِ ولَدَتْهُ أُمُّهُ

الحج عرفة

ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه "ما من يومٍ أكثرُ من أن يعتِقَ اللهُ فيه عبيدًا من النّارِ من يومِ عرفةَ، وأنه لَيدنو، ثم يباهي بهم الملائكةَ فيقول: ما أراد هؤلاءِ؟ اشهَدوا ملائكتي أني قد غفرتُ لهم"

ويُروى الحديث برواية مقاربة أن الله تعالى يقول: "انظروا إلى عبادي شُعثًا غُبرًا، ضاحين جاؤوا من كلّ فجّ عميق يرجون رحمتي ولم يروا عذابي، فلم يُرَ يومًا أكثر عتقاءَ من النّار من يوم عرفة"

إشهاد الملأ الأعلى على أفعال البشرً، من الأفكار المتكررة في الحديث الشريف، وخصوصًا الأفعال الصالحة، فعلى سبيل المثال، ورد في الحديث أنه "الملائكة يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل، وملائكة بالنّهار... فيسألهم وهو أعلم بهم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلّون"

هذا الخطاب الإلهي إلى الملائكة:
- ماذا أراد هؤلاء؟
- انظروا إلى عبادي
- كيف تركتم عبادي

بالإضافة إلى تكرار التعبير "فيسألهم وهو أعلم بهم"، كلّ ذلك إحالة إلى لحظة خلق آدم واستخلافه في الأرض، وقول الملائكة (قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ). أي كأنه تعالى يذكّرهم بتساؤلهم عن الشيء المميّز في الإنسان لكي يكون خليفة الله.

وهذا ينسجم من الرواية التي تقول أن جبل عرفات سمي بهذا الاسم لأن آدم عليه السلام لما أهبط من الجنة هو وحواء التقيا فيه فتعارفا، مما يعني أن عرفات هو موضع هبوط الإنسان خارجًا من الجنة، وهو أيضًا موضع ارتقائه نحوها.

عرفات إذن هو ذكرى للبشر وللملأ الأعلى معًا، أن الإنسان خلق من أجل "مشروع" ربّاني له أهداف وغاية كبرى يتجه نحوها، وها هو يعود إلى نقطة الهبوط الأولى، ليرتقي، كما يقول علي شريعتي، إلى ذروة الكمال الإنساني في العروج إلى الله، تاركًا الأنا تحترق تحت شمس عرفات المتوهجة".

في الوقوف بعرفات، يحقق الحجّاج أسمى ما يمكن أن يصل إليه بنو آدم على هذه الأرض، الصعود مرة أخرى نحو الأعلى، الارتقاء الروحي الذي يمحو إرث الهبوط ويكتب الإرث الخالد لخليفة الله. فيستحقون بهذا الإخلاص أن يباهي الله بهم ملائكته.

تاريخ النشر 04-06-2025
اقتباسات أخرى ذات صلة