"اللحاق" أو "الاتّباع" هي ألفاظ تصف شوق المؤمن إلى الموت لأنه سيعقبه لقاء أحبابه عند ربّ العالمين. فراق الحياة لا يعود أمرًا يفر منه الإنسان، بل يتمنّاه، ما دام يعني انتهاء الفراق وحصول اللقاء الذي لا انفصال بعده أبدًا.
في مرضه الأخير، دعا رسول الله صلى الله عليه وآله ابنته فاطمة عليها السلام وأخبرها بشيء فبكت، ثم أخبرها بشيء فضحكت، وعندما سُئلت عن ذلك (في إحدى الروايتين لهذا الحديث) قالت: "سارَّني فأخبرني بموتِه ، فبكيتُ، ثم سارَّني فأخبَرَني أني أول من يتبعُه من أهلِه فضحكتُ"، فهوّن عليها أعظم مصاب في الدّنيا أن أسرع أهل أبيها لحاقًا به.
وعندما عزم الحسين عليه السلام الخروج إلى العراق، كان الشعور الطاغي عليه، والذي استهل به خطبته، هو الشوق إلى أحبته الذين مضوا من أهله، فقال: "وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف". وعندما كانت الفرصة متاحة أمام بني عقيل ليتركوه ويعودوا إلى ديارهم آمنين، رفضوا رفضًا قاطعًا، لأن ألم الموت الشنيع تحت حوافر الخيل أهون عندهم من أن يعيشوا لحظة واحدة بعد إمامهم وحبيبهم.
اليوم، عندما نعى الناعي إلى النّاس ارتقاء أبي علي، درع السيّد الأمين وحاميه المخلص، وأنعم الله عليه باللحاق بعد شهور قلائل، لم يشعر الناس إلا بالفرحة له، لأنه قد نال ما يتمنّاه (كما يروي عنه من يعرفه وكما ظهر جليًا في كل صوره منذ استشـ.هاد السيد، أثناء التشييع وما بعده)، ولم يُبتلى بطول البقاء بعد حبيبه.
كان المشهد الأبرز الذي يذكره الناس لأبي علي عندما كان يقف خلف السيد مباشرة في إحدى خطاباته، فمازحه "زيح يا أبو علي شوي" (أي يتنحى قليلًا)، المشهد الذي اكتسب معانٍ أليمة بعد أن فرق بينهما الموت وصار يشعر كما يُروى عنه أن معنى حياته قد فُقد، واليوم رغم حزننا الممتد على فقدانه وفقدان خيرة رجال هذه الأمة في المعركة الأنبل والأشرف، إلا أننا لا نملك إلا أن نغبطه أنه صار في معية المحبوب، وفي دار الأمن والسلام، حيث لا يحتاج أبدًا أن "يزيح شوي".