spiritual stock taking
جردة روحية

جَرْدَة*

بداية العام الجديد فرصة للتوقف، لتأمل العام الماضي، أفراحه وأحزانه، مكاسبه وخسائره، ثم وضع الأهداف للعام الجديد لكي نحياه بشكل أفضل، ونصحح المسار إن لزم الأمر، فيما يشبه عملية الجَرْد التي يقوم بها أصحاب الأعمال بصورة دورية.

في بداية العام الهجري خاصة، لارتباط المناسبة بحادث مفصلي في تاريخ الدعوة المحمدية، خرج فيه رسول الله صلى الله عليه وآله من مدينة ضاقت به طرقها وصدور أهلها، إلى أخرى فتحت له أبوابها وقلوبها. في هذه الذكرى، يحتاج الإنسان إلى "جردة روحية" لكي تكون وفادته على العام الجديد بداية تحول كبير للأفضل في حياته، فيالها حسرة، كما يقول أمير المؤمنين عليه السلام، أن يكون عمره عليه حجة، وأن تؤديه أيامه إلى الشقوة!

يُعد حساب النفس من أعمدة التصور الإسلامي حول واجب الإنسان تجاه عمره، فالإنسان لم يخلق سُدى، وإنما هم كركب يُسار بهم إلى وجهة محددة لا يتخلفون عنها. وأغلب النّاس في هذه الرحلة نيام، أما المؤمنين فيعلمون أنه لا تزول قدما عبد حتى يُسأل عن عدة أمور، أولها "عن عمرك فيما أفنيت، وعن شبابك فيما أبليت"، ولذلك فهم يعملون بوصية الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا، وتجهزوا للعرض الأكبر". وأصحاب اليقين لا يمر عليهم يوم إلا وهم يجردونه، بل جعله عدد من أئمة آل البيت معيارًا لحسن اتباعهم، كقول الإمام الكاظم عليه السلام: "ليس منا من لم يحاسب نفسه في كل يوم، فإن عمل خيرا استزاد الله منه وحمد الله عليه، وإن عمل شيئا شرا استغفر الله وتاب إليه".

ومطلع العام من المحطات التي يحسن فيها أن يبدأ الإنسان باتباع هذه العادة التي شرحها السيد محمد حسين فضل الله في خطبة له في استقبال العام الهجري الجديد، وهي آخر خطبة يلقيها في تلك المناسبة قبل وفاته:

"في العام الجديد لا بدّ لنا ـ أيضاً ـ أن نقف موقف حساب؛ نحاسب فيه أنفسنا على ما قدّمناه في السنة الماضية؛ ليخاطب كلٌّ منّا نفسه، فيقول لها: يا نفسُ، هذه سنة قد مضت لا تعود إليك أبداً، والله سائلك عنها. فماذا صنعتِ فيها؟

هل أدّيتِ حقوقَ الله عليكِ؟ هل عبدتِ الله حقّ عبادته؟ هل أقمتِ الصلاة التي هي عمود الدين؟ هل آتيتِ الزكاة التي فرضها الله عليك؟

هل أمرتِ بالمعروف في كلّ ما يرفع من مستوى الإنسان؟ وهل أنكرتِ المنكر؟ وهل رفضتِ الظلم من نفسك للناس ومن الآخرين؟ هل جاهدتِ في الله حق جهاده ؟

هل عاملتِ الناس بالحُسنى أم بالسوء؟ هل أصلحتِ بين الناس أم أفسدتِ؟ هل أكلتِ المال بالباطل؟ هل ركنتِ إلى الظالمين؟ هل أيّدتِ المفسدين؟ هل أذلَلْتِ نفسَك أم أعززتِها كما أمر الله؟"

كل عام والأمة الإسلامية بخير، وجعله الله عامًا تنفرج فيه الكُرَب، وتنحلّ فيه العُقد، وتُهدى أمتنا جميعًا فيه إلى سبل الرشاد.

*في نهاية السنة المالية، يقوم أصحاب الأعمال بعملية جَرْد لمخازنهم، ماذا أنفِق في العام الماضي وماذا أُهدِر، ويخططون لبداية السنة الجديدة، كيف يديرون هذه الموارد بشكل أفضل. المسلِم أيضًا قد يفعل أمرًا مشابهًا بالقيام بعملية جرد لسجلّه من الأعمال في مطلع السنة، كما نوضح في هذا المقال*

تاريخ النشر 26-06-2025