عَلَى مِثْلِ الحُسَيْن فَلْيَبْكِ البَاكُون

إحياء ليالي المحرّم وأحداث خروج الحسين (ع) حتى استشهـ.ـاده يوم عاشوراء تتم بطرق متنوعة يراها الناس بكثافة هذه الأيام، وهي ليست طقوس فقط وحركات تُؤدى مثل أي احتفال آخر، بل إن لها أبعاد روحيّة كبيرة ربما لا يفطن لها من يراها لأول مرة، أو من تشبّع بالتشويه بأن هذه مراسم "لطم وعويل".

من أبرز سبل الإحياء إنشاد ما يسمى باللطميات، وهي نمط فنيّ تُنشد فيه أشعار رثائية بالفصحى وبالعامية، لها إيقاعات معيّنة وتستلهم موضوعات مرتبطة بأهل البيت (ع) وسيرتهم في الفداء. ويُرافِق ذلك لطم الصدور من الجموع الحاضرة تعبيرًا عن الحزن والألم.

البكاء على فقدان أولياء الله، ناهيك عن سيد شباب أهل الجنة، ليست مجرد اجترارًا للأحزان، وإنّما هي أولًا طريقة محمودة في الشريعة الغرّاء للتعبير عن عِظَم مصاب الدين، وقد ورد في أحاديث الفريقين أن النبي بكى الحسين عندما نبأه الله بما ستفعله الأمة من بعده، ثم هذا البكاء هو تأكيد للانتماء إلى هذه المسيرة، وتذكرة بالدموع أن الإنسان يجب أن يعمل من أجل الحق ما دام حيًا، حتى يحق له أن يقول "ما تركتك يا حسين" كأنه شهد المعركة، إذ لو كان حيًا آنذاك لما قعد عن النُّصرة.

هذه الأبعاد الروحية لها دور كبير في البيئات الحاضنة للمقـ.اومة كأداة تعبوية أقرب ما تكون إلى الأناشيد العسكرية، ولكنها نابعة من صميم الوازع الديني العقائدي.

وليس أدلّ على أن هذا التراث مستمد من نبع المنهاج الحسيني من أن التطور الطبيعي لها هو أنه منذ انطلاق الطوفان، وهناك علوّ في النبرة "الحربية" (إن جاز التعبير) في اللطميات من أجل نصرة المستضعفين في غزة، فنجد مثلًا في لطمية "جند الحسين ثار" دعوة إلى الإعداد المعنوي للمعركة من خلال اللطم:

"جهزوا الجيشَ فيوم الثأرِ قادم
‏عبئوا الجند بلطمٍ في المآتم"

ثم تتضمن الكلمات تخليدًا لملاحم المقـ.اومة واستنفارًا للجولات القادمة من أجل تحرير القدس، فتقول:

تروي الثغور ما جَرَى
عن بأس جُندِ حيدره
عن غيرتي عن قادتي
عن سر بذل الأنفسِ
عن وعد بيت المقدسِ
...
منا أبطال فدوا أبطال غزة
أهل اليمن يا ابن الحسن
تخزي العدا بيا علي

البكاء على الحسين واللطم حزنًا عليه يصبِح في هذا التقليد الفنيّ إيقاعًا منضبطًا يحاكي مسير الجيوش للأخذ بثار الله، فهكذا ينبغي أن تبكيه البواكي.

تاريخ النشر 29-06-2025
اقتباسات أخرى ذات صلة