سُئل زياد الرحباني في مقابلة معه إذا كانت السيدة فيروز مؤيدة للمقاومة، فأجاب:
"أكيد (مع المقاومة) وإذا ليست مع المقاومة هناك مشكلة ما بكون بقدر لحن لها"
إجابته تعكس قيمة "الاتساق" التي نفتقدها اليوم في أكثر الفنانين، بل أكثر النخب بوجه عام. المثقف أو الفنان أو المبدع يجب أن يكون لديه منظومة قيم تكون بمثابة وقود لإبداعه وأساس لمشروعه كلّه. تلك القيَم هي التي تربطه بجمهوره وتبني نجاحه، وتجعل إرثه باقيًا في قلوبهم بعد رحيله.
وهذا يختلف عن نموذج "المبدع المرتزق" الذي تتغيّر آراؤه وفقًا لآراء ولي نعمته، ولا يكون نجاحه نابع من الجماهير، فهم مجرّد وسيلة لاجتذاب من يشتري ذمّته.
المبدع المتسق مع قيَمه ومبادئه يستمد إبداعه من نبض المجتمع، ويكون هو تجسيدًا لأنبل ما فيهم. يعبّر عن آمالهم وطموحاتهم بصدق لأنه صادق مع نفسه، يتكلم بصوت ضميرهم لأن ضميره حيّ. لذلك تأتي كلمات التأبين عند رحيله كأن المعزون يرثون أنفسهم، لا يرثون الفقيد، وذاك الأسى هو الذي نلمسه في كلمة رئيس الوزراء نوّاف سلام في تأبين زياد اليوم: "زياد المبدع العبقري، كنتَ أيضًا صرخة جيلنا الصادقة، الملتزمة قضايا الإنسان والوطن. وقد قلتَ ما لم يجرؤ الكثيرون منّا على قوله. أما "بالنسبة لـبكرا شو؟"، فللأجيال القادمة، ستبقى يا زياد، صوت الجمال والتمرّد، وصوت الحق والحقيقة حين يصير السكوت خيانة".
يقول جورج جرداق إن هذا الاتساق يمثل جوهر الحياة، فـ "من الصعب والمصطنع تجزئة الصفات والطباع والأخلاق في الكائن الحيّ… فهي متماسكة متفاعلة يكمّل بعضها بعضًا؛ ويكون هذا منها سببًا في ذاك أو نتيجة لذلك، أو مرادفًا لأحدهما أو لكليهما في العلة والنتيجة".
من يعيشون حياة كهذه، ولا يدعون أرواحهم تتفتت وتنفصم سعيًا وراء فتات المغريات المادية كالثروة والشهرة والجاه، فإن حياتهم لا تنقطع بالموت، بل إن لحظة الرحيل، تصبح نقطة تحولهم من أبطال ومثل عُليا إلى أساطير خالدة.



