سيد الذكرى والحل الإسلامي
تزورنا ذكراك يا سيّد الذكرى، وفي حضرة ذكراك التي لا تشبه إلا وهجك، نأتيك محمّلين بتحايا السلام، لنريك غرسك الذي نحتفظ به إلى يوم الحصاد في أيلول، إلى السابع والعشرين، يوم نجدد العهد، ونقف بين يديك، نحمل إرثك الذي أورثتنا إيّاه، وفكرك الذي سكن أرواحنا، ودمك الذي صار دينًا في أعناقنا يدفعنا نحو القصاص، حتى يطلع الصبح في يوم الفرح والشهـ/ ـادة.
مصابنا بك يا أبا هادي من سنخ مصابنا بجدّك الحسين، إذ فصل الحسين بدمه الطاهر بين السلطات الثلاث، حيث كان الحاكم يستأثر بالسلطات: التشريعية، والقضائية، والتنفيذية. فوطِئ الحسين الموت ليسلب من السلطان شرعية الحكم، ويخلع عنه رداء القداسة، وينزع منه السلطتين التشريعية والقضائية، ومنذ تلك اللحظة لم يبق للسلطان إلّا سلطة تنفيذية بسيف البطش، وصار معها بحاجةٍ إلى فقهاء البلاط ليبرروا له أفعاله، لأن دم الحسين جرّدهم من الحق.
إن السيّد استطاع بدمه أن يكشف الدجى عن مصباح "الحل الإسلامي"، فأخرج منه المتسلقين والنفعيين والمتاجرين بالشعارات، وأعاده إلى توجهه الصحيح ومساره القويم.
إن نكبة عام ١٩٤٨ ونكسة ١٩٦٧ قد سحقت الفكر الليبرالي والعلماني والقومي سحقًا، وجعلت الفكرة الإسلامية هي الحل الوحيد أمام الأمة، لأن الهزيمة بجانب كونها عسكرية قد كانت لفكر "ما بعد النكبتين" المرتبط بالاستعمار، والبديل عن هذا الفكر المهزوم هو الإسلام كدين وحضارة في وجه التحدي الغربي الحديث، بينما الحلول الأخرى هي البديلة والدخيلة.
لكن مفهوم "الحل الإسلامي" شأنه شأن كل المفاهيم النبيلة، قد تسلل إليه الدخلاء والمتاجرون، وركبه المنافقون والانتهازيون، حتى صار في حاجة إلى تنقية وتطهير، فكانت شهـ /ـادة السيّد التي أعادت ترتيب الأوراق وكشفت الحقائق.
فإذا كانت نكبة ١٩٤٨ ونكسة ١٩٦٧ قد سحقت الفكر الليبرالي والعلماني وجعلت الفكرة الإسلامية هي الحل، فإن شهـ /ـادة السيّد وما أفرزته وقائع المعركة الحالية لا ينبغي أن تجعلنا نشك البتة في أن الحل الإسلامي فيه مشكلة، بل على النقيض من ذلك تمامًا، فإنّ الحل الإسلامي صار منفرزًا وأكثر صوابيّة في هذه المرحلة، لأن السيّد فضح التيارات التي كانت داخلة فيه بالزور والبهتان، وقد أثبتت التجربة بعد عامين على المعركة الحالية صمود واقتدار أصحاب مدرسة الإسلام في وجه أعتى قوة مادية في العصر الحديث.
إن دم السيد الطاهر قد غربل الصفوف، وميّز الخبيث من الطيب، وأظهر الحق من الباطل، فسقط أقنعة كثيرة، وانكشفت وجوه كانت مستترة، وظهر على حقيقته كلُ من كان يدعي الانتماء للحل الإسلامي وهو في الحقيقة عدو له أو متسلق عليه.
لقد أعاد السيّد المستطاب للحل الإسلامي بهاءه وصفاءه، وأزال عنه الغبار الذي علق به من أيدي العابثين، وأعاده إلى جوهره الأصيل ومعدنه النفيس، فلم تعد هناك التباسات أو مداهنات. صار الحق أبلج والباطل لجلج، والصادق معروف والكاذب مفضوح.
إننا نقول اليوم وبكل ثقة ويقين: إنّ الحل الإسلامي المتمسّك بالإسلام كمنطلق، وبفلسطين كهدف، وبالجـ /ـهاد كوسيلة قد أصبح أقوى وأصفى مما كان عليه، وأكثر قدرة على تحقيق أهدافه النبيلة، لأنه تخلص من الأدعياء والمنافقين، وبقي فيه الصادقون المخلصون الذين باعوا أنفسهم لله تبارك وتعالى، والسيّد نفسه القائل: "متى يعطي الله النصر؟ بعد أن نخوض كل التجارب: امتحانات، ابتلاءات، صعوبات.
يسقط على إثرها أناسٌ وينهار أناس، وينسحب أناس، ويستسلم أناس، ويخون أناس. ثم يُكمل المسيرة أناس. الله سبحانه وتعالى لا يعطي النصر لخليط، بل يعطيه لأهله: الأنقياء، الأصفياء، الواضحين، المخلصين".
ونعاهد سيّدنا عهدًا لم نعاهد به أحدًا قبله، بأن نبقى خير ما ترك من إرث، وأجمل ما صنع من رجال، وأطهر ما أبدع من فكرة. إنّا على العهد يا نصر الله.
- حسن ياسر عمر



