أنا أتقرب إلى الله بحب السيد

مع أن الإسلام يجعل الوصول إلى الله والهداية إلى دينه الحق مسألة مناطها العقل، ووسيلتها التفكر والتدبر، إلا أن الارتقاء في مدارج الإيمان والاقتراب من الله لا يتحقق إلا إذا أصبح الإنسان منتميًا بكل كيانه وقلبه إلى أمة الإسلام، وأصبح موقفه من أي قضية، بل من أي إنسان، موقفًا يتخذه بدافع الحب والبغض في الله.

نجد مثلًا في القرآن الكريم أن الله تعالى عندما أخبر عن أقوامٍ قد يأتي الله بهم بدلًا ممن يرتدون عن دينه، لم يبدأ وصفهم بكثرة العبادة ولا شدة الإيمان، بل بدأها بالحبّ. يقول تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ"... مما يوحي أن سبب تفضيلهم هو أن علاقتهم بالله تتمحور حول هذا الحب المتبادل.

وكما قرن الله بين الهداية والحب، نجده أيضًا قد قرن بين الضلال وبين الحب الذي يوضع في غير موضعه، أي الحب الموجه نحو أعداء الله. يقول تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ... وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ"

وبالتالي فحب الله ورسوله والمؤمنين به هو واجب شرعي، ومعاداة الفاسقين وبغضهم واجب شرعي، وربما يهلك الإنسان إذا لم يكن محبًّا صادقًا، وإن كثرت عبادته، مثلما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم لأحد أصحابه: "يا عبد الله، أحبّ في الله، وأبغض في الله، ووال في الله، وعاد في الله، فإنّه لا تنال ولاية الله إلّا بذلك، ولا يجد رجل طعم الإيمان، وإن كثرت صلاته وصيامه، حتّى يكون كذلك"، فبدأت الوصية بالحُبّ على الولاية، لأن الوليّ يجب أولًا أن يكون محِبًا.

ويكثر في تراث الأئمة عليهم السلام التأكيد على هذا المعنى والتشديد في أنّه مدار الإيمان كلّه. يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "إن أفضل الدين الحب في الله، والبغض في الله، والأخذ في الله، والبكاء في الله"، ويروى عن الإمام الباقر عليه السلام قوله: "إذا أردت أن تعلم أن فيك خيرا فانظر إلى قلبك، فإن كان يحب أهل طاعة الله ويبغض أهل معصيته ففيك خير، والله يحبك، وإن كان يبغض أهل طاعة الله ويحب أهل معصيته فليس فيك خير، والله يبغضك، والمرء مع من أحب".

ومن أكبر البلاء الذي ابتُليت به هذه الأمة أن هناك طمس على قلوب كثير منها، وهو ما يظهر بعدة أشكال، منها الميل إلى الأعداء ومحبتهم وموالاتهم في مشاريع الدمار التي يخططون لها، وانحراف القلب عن القادة الذين يجسدون المعاني والقيم المحمدية الأصيلة.

ومن أشكال الانحراف أيضًا عدم التمييز بين العدو والصديق، فيزعم الإنسان أنه يحب قادة المقـ..اومة، وفي نفس الوقت يلهج بحب من يناصبهم العداء، لعدم إدراكهم أن المحبة في الله من لوازمها أيضًا البغض في الله، فقد قيل للصادق عليه السلام: "إنّ فلاناً يواليكم إلّا أنّه يضعف عن البراءة من عدوّكم، فقال عليه السلام: هيهات، كذب من ادّعى محبّتنا، ولم يتبرّأ من عدوّنا.“

ومن أخطر أشكال هذا الانحراف أن تكون علاقة الإنسان بالمقـ..اومة والقادة والأولياء الكِبار علاقة "نظرية" عقلية باهتة، علاقة العالِم الفاحص بموضوع دراسته، وليس علاقة المحب المستهام بمحبوبه، مما يجعل هؤلاء غير قادرين على فهم هؤلاء القادة ودوافعهم، وعاجزين عن الثقة بتقديرهم. وشتان بين ذلك الحال وبين من علّق قلبه بقلوبهم، وذابت روحه في أرواحهم.

في الذكرى الثانية للطوفان، يجب على الإنسان أن يعمل بوصية الأئمة وينظر إلى قلبه، ما موقعه من أهل الله الذين بذلوا الغالي والنفيس من أجل إعلاء كلمة الله، هل يعشقهم ويتألم كأن مصابهم مصابه، ويشعر بأن فقيدهم قد ارتقى آخذًا معه بعض روحه؟ هل ينفر من عدوهم ويبغضه ويتبرأ منه؟ فالدين لا يستقيم دون ذلك، وكما قال الإمام الباقر عليه السلام: "وهل الدين إلا الحب؟“

تاريخ النشر 07-10-2025