كَفَى بِالأَجَلِ حَارِسًا

الأجل لغةً هو المُدَّة المحددّة لانتهاء الشيء أو حُلُوله، مثل قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ". ويشيع في الفصحى والعاميّة أن يُستخدم لفظ الأجل مرادفًا للموت، فيُقال وافاه أجله أو حان أجله أي توفّي. وهو استخدام مجازيّ، يُشبَّه فيه انتهاء العُمْر بانقضاء المدّة المحدّدة في العقود مثلًا، ووجه التشابه أن وقت النهاية محدّد سلفًا ولا تبديل له. وهذا الاستخدام قليلٌ في شعر العرب قبل الإسلام، وإن كان موجودًا كما في بيت عنترة:

وَلَا تَفِرَّ إِذَا مَا خُضْتَ مَعْرَكَةً
فَمَا يَزِيدُ فِرَارُ الْمَرْءِ فِي الْأَجَلِ

لكنّه بعد الإسلام أصبح مستخدمًا بكثرة بالغة، حتى إنه من شدة تداوله يكاد يفقد معناه المجازي بين عموم الناس، وهذه الكثرة سببها ليس مجرّد وروده في القرآن الكريم، كما في قوله تعالى: "وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ"، بل لأن الإسلام جعل تشبيه الموت بـ "الأجل" هو مدخله لغرس الثبات والشجاعة والبطولة والاستعداد للتضحية في قلوب المؤمنين.

فبينما نجد في ثقافات مختلفة أن الموت يُشبَّه بحاصد الأرواح ويكون مجيئه داعيًا للرّعب، وبينما نجد أساطير الشعوب تحكي عن محاولات الهروب من هذا الشبح المخيف، فإن الموت في الإسلام يصبح داعيًا للطمأنينة، بل يصبح، كما يصفه الإمام عليه السلام، كالحارس الوفيّ الذي ينسى الإنسان الخطر في وجوده. فما دام الموت لا يتأخر لحظة ولا يتقدّم لحظة، فعلام القلق؟

بل إن أحداث السيرة كما يسجّلها لنا القرآن تخبرنا أن الإيمان بالأجل المسمّى هو معيار اليقين. فبينما نجِد المنافقين يقولون إن من قُتِل في سبيل الله قد راح ضحيّة سوء التقدير للمعركة، يرد عليهم القرآن بأن البيوت والبروج المشيدة ليست بأكثر أمنًا من الميدان: "يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمْ". وعلى الصعيد الآخر، نجد المؤمنين لا يهتمّون متى يحين أجلهم، فهذا في يد الله، ولكن ما يهمّهم هو أن يُقبضون على حال يرضى الله عنها، فيقولون: "رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ".

وبهذا الفهم الذي يبعث على الطمأنينة كان أمير المؤمنين (ع) يخرج إلى المعركة حاسرًا، ويصلّي في ليلة الهرير والسهام تتساقط بين يديه، لأنّ أجله يحرسه، وكفى به درعًا تحميه أهوال الحرب. ومن هنا نفهم لماذا يتكرّر في أقوال قادة المقـ..//ومة التسليم بحتمية الأجل وعدم المبالاة بتهديدات العدوّ، ونجدهم يعودون إلى كلام الإمام عليه السلام، فقد ذكر الشيخ ن. ق. قصته مع هذه المقولة بالمنشور (كفى بالأجل حارسا) في حواره بالأمس، واقتبس أيضًا الشـهـ..يـ/د ي. س. بعد الانتصار في معركة سيف القدس البيتين المنسوبين للإمام:

أَي يَومَيَّ مِنَ المَوتَ أَفِر
يَومَ لا يَقدِرُ أَو يَومَ قَدِر
يَومَ ما قُدِّرَ لا أَرهَبُهُ
وَإِذا قَدِّرَ لا يُنجي الحَذَر

****

الشعب الفلسطيني يخوض منذ ٧٥ سنة معركة متواصلة، ويواجه التهديد المباشر منذ ٤٧ سنة، اي منذ قيام الكيان الصهيوني. عندما بدأنا نحن هذا الطريق كنا نعرف أن تكاليفه : صعبة جداً. لكن هذا هو واجبنا وخيارنا المقدس. على المستوى الشخصي لا تهمني هذه التهديدات. أنا أعتقد بأنني عشت أكثر مما كنت أتصور. دم الشهداء هو الذي ينجب المزيد من المقاتلين ويصعد المواجهة ضد الاحتلال. ولذلك نحن لسنا على قلق من مثل هذه التهديدات. وأقول في النهاية ما قاله الإمام علي، كرم الله وجهه، حارس العمر الأجل.
- الشهيد القائد فتحي الشقاقي، الأعمال الكاملة

****

الخشية غير موجودة. الآجال بيد الله سبحانه وتعالى، نحن نتعرض يوميًا إلى خطر الموت. كفى بالأجل حارسًا كما يقول الإمام علي عليه السلام.
- الشهيد القائد مهدي المهندس، حوار الساعة، الحشد الشعبي، قناة الميادين الدقيقة 50:18

تاريخ النشر 28-10-2025