I am my language
أنا لغتي

أرسل لنا أحد المتابعين مقالة باللغة الإنجليزية تدعو إلى استخدام اللهجات المحلية في المناهج الدراسية "لأن معظم العرب لا يستخدمون الفصحى". المقالة مكتوبة بنبرة استعلائية والحجج المقدمة حجج واهية. لن نشارك رابط المقالة كي لا نسهم في انتشارها ولكن سنلخص مآخذنا على مثل هذه الأطروحات:

1. الكاتب يدعو إلى استخدام اللهجات المحلية لأن معظم العرب لا يعرفون الفصحى، ولكن مقاله مكتوب بالإنجليزية، فمن الذين يخاطبهم إذن بهذه الدعوى؟

2. هذه الدعوة لتسييد العاميّات وتهميش الفصحى دعوى استعمارية أشار إليها محمود محمد شاكر في كتاباته وكانت حركة مستنكرة في مصر أثناء الاحتلال الانجليزي (كانت هناك محاولات ممولة من الإنجليز لنشر العامية المصرية في الكتابة ومحاولة إحياء الهيروغليفية)، وهي استعمارية في 2022 مثلما كانت استعمارية في 1920.

3. "التخلص من الفصحى بحجة أن الأطفال لا يستطيعون تعلمها": في الإنجليزية والإيطالية لا يقدمون للأطفال شكسبير ودانتي ونحن لا نقدم لأطفالنا المعلقات. ما نفعله ويفعلون هو تقديم نسخة مبسطة ثم في الإعدادية نعطيهم نسخة أرقى قليلا ثم يصلون إلى مرحلة الكفاءة اللغوية لقراءة التراث بعد ذلك. والتعليم في العالم العربي على علّاته يتدرج من أناشيد الأطفال حتى خليل مطران وشوقي في الثانوية العامّة. (من لا يستطيع قراءة شوقي ومطران كيف يوصف بأنه متعلم؟). لن يجادل عاقل في أي مكان في العالم أن التراث صار قديمًا فلنقرأ بالعامية فقط، وإلا لما قُرئ الإنجيل ولا القُرآن ولا الإلياذة وهاملت.

4. "العرب فعلوا ذلك بأنفسهم".. هذا أشبه بشخص أبرح ضربًا من مجموعة لصوص حتى تكسرت أسنانه ثم راح الشهود يسخرون أنه لا يستطيع النطق السليم لأنه فعل هذا بنفسه. الاستعمار كان ولا يزال معاديًا للفصحى ويحاول بشتى الطرق القضاء عليها (.. منذ جيلين فقط كانت فرنسا تحارب العربية في المغرب العربي بالحديد والنار).

5. المقال يقول أن الفصحى ميتة. هذا وحده كفيل بألا يُستمع من هذا الشخص. العربي المثقف اليوم يقرأ امرئ القيس كأنه نديمه، لا كأنه شاعر مات منذ ألفي سنة. العربي المتعلم يقرأ ديوان مجنون ليلى الأمويّ كأنه كُتِب البارحة، والعامية نفسها ملأى بالتعبيرات الفصيحة يقولها المتعلم والأمي.

السر في استهداف اللغة وإضعافها هو أن اللغة ليست مجرد وسيلة للتواصل، وإنما هي مستودع الهوية والتاريخ والثقافة والقيم، واللغة العربية هي الجدار المنيع والحصن الحصين، لها قداسة لدى المسلمين بما أنها لغة القرآن الكريم، وهي الرابط بين عرب اليوم وبين أدبهم وفكرهم، وإذا هدم هذا الجدار، سهُل اختراق كل شيء.

تاريخ النشر 27-07-2022
اقتباسات أخرى ذات صلة