man is most of all given to contention
وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا

من خلال بحثنا في تفسير هذه الآية الكريمة استغربنا أن الكثير من كتب التفسير، قديمها وحديثها، تستشهد في شرح هذه الآية برواية عن الإمام علي وفاطمة الزهراء عليهما السلام مفادها: "أن النبي ﷺ مر عليهما ليوقظهما لصلاة الليل، وطرق عليهما الباب مرة بعد أخرى، ويبدو أنهما كانا مستغرقيْن في النوم، فنادى عليهما ﷺ "ألا تصلون؟" فردَّ الإمام علي قائلاً: يا رسول الله إن أنفسنا بيد الله، إن شاء أطلقها وإن شاء أمسكها (أي: فاعتَذَر بأنَّهما إنَّما تَرَكا الصَّلاةَ دونَ إرادتِهما؛ لأنَّهما كانا نائِمَينِ) فضحك النبي وضرب على فخذه وقال: {وَكَانَ ٱلإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً}".

وتعقيبًا على ذلك يقول الشعراوي في خواطره أن الإنسان له أهواء متعددة، ويحاول أنْ يُدلّل على صحة أهوائه بالحجة، فيقارع الحق ويغالط ويراوغ" ويعقب ابن عاشور أنه "كان من الأولى بعلي أن يحمد إيقاظ رسول الله إياه… ولا يستدل بما يحبذ استمرار نومه، فذلك محل تعجب رسول الله ﷺ من جواب علي رضي الله عنه"

ولكن أيعقل أن فاطمة الزهراء عليها السلام وهي بضعة رسول الله ﷺ وسيدة نساء العالمين والإمام علي عليه السلام وهو إمام المتقين (وكلاهما من العترة الطاهرة المطهرة التي نصلي عليهم في كل صلاة وأحد الثقلين الذين قال عنهم الرسول ﷺ "ما إن تمسكتم بهم لن تضلوا بعدي") أن يتكاسلا عن أداء الصلاة بل وأن يجادلا الرسول في ذلك؟! هذا وفي التنزيل إن المتقين {كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} فهم في شغلٍ عن النوم، لاهتمامهم بعبادة الله.

هذه الروايات إن كانت تؤكد على شيء فهو على ضرورة الاطلاع على عدة مصادر مختلفة وعلى القراءة النقدية الواعية بمعطيات التاريخ. فلأسباب كثيرة لا مجال لذكرها هنا تعرض التاريخ الإسلامي إلى إخفاء ممنهج لفضائل أهل البيت، إما من خلال تضعيف أحاديث صحيحة في فضلهم أو تقوية أحاديث ضعيفة لإنكار فضلهم، وورثنا نحن هذا التاريخ الذي يحتاج إلى غربلة وتنقيح.

أما عن معنى الجدل في الآية الكريمة فقد جاء في جامع البيان، الجدل: "خصومة القوم لأنبيائهم" وفي تفسير الجلالين والبيضاوي "خصومة في الباطل" وفي تفسير من وحي القرآن الجدل "في ما تعنيه هذه الكلمة من الدخول في المنازعات حول أمور هامشية تستهلك كل جهدهم فيأتون إلى المسائل الكبيرة الحاسمة بجهد مثقلٍ بالتعبٍ، وروحٍ فارغةٍ من القوّة، وإرادةٍ متعبةٍ من الخلاف وهكذا تضيع الحقيقة في غمار الجدل، ويبتعد الإنسان عن العمق، فلا يلتقي بحقائق العقيدة إلا من خلال ستارٍ كثيفٍ من المشاعر المتوترة، والذهنيات المعقّدة، والكلام الفارغ".

تاريخ النشر 03-04-2022
اقتباسات أخرى ذات صلة