Grieve, I advise you, don’t act tough your calamity is too great for reproach
أُوصِيكَ بِالحُزْنِ لَا أُوصِيكَ بِالجَلَدِ جَلَّ المُصَابُ عَنِ التَّعْنِيفِ والفَنَدِ

يرى البعض في مجتمعاتنا العربية أن البكاء دليلٌ على الضعف أو على عدم الصبر والاحتساب أو أنه خاص بالنساء، فيعمدون إلى تهوين المصائب وينصحون المحزون بالتجلد والتبلد، بينما البكاء والتنفيس عن الآلام أمر طبيعي. والشعر العربي يزخر بأبيات خالدة توصي الحزين بألا يكتم الحزن بل ويرى محمود سامي البارودي أن التجلد وقت المصيبة قد يدل على الجفاء فيقول:

‏جَزَعُ الْفَتَى سِمَةُ الْوَفَاءِ وصَبْرُهُ
‏غَدْرٌ يَدُلُّ بِهِ عَلَى الأَحْقَادِ

ويقول إيليا أبو ماضي:
‏دَع عنكَ نُصحي بِالتَبَلُّدِ ساعةً
‏يا صاحِ قد ذَهَبَ الأَسى بِتَبَلُّدي
‏ما زادَ في أَسَفِ الحَزين وَشَجوِهِ
‏شَيءٌ كَقَولِكَ لِلحَزينِ تَجَلَّدِ

‏ويقول الجواهري:
لا تبخسوا قدر الدموع فإنّها
‏دفعُ الهموم تفيض من ينبوعِ
‏للنّفس حالاتٌ يلذّ لها الأسى
‏وترى البكاءَ كواجب ٍ مشروعِ

ولذلك نرى أن الشعراء فطنون في طريقة المواساة وتقديم العزاء للمحزون والإقرار بمشاعره وهو ما يسمى في علم النفس validation؛ وهذا ما يفعله أبو فراس في عزاء ابن عمه سيف الدولة بوفاة أخته خولة:

"‏أوصيك بالحزن لا أوصيك بالجلد
‏جل المصاب عن التعنيف والفند"

ثم يستمر أبو فراس في إبداء أساه وتهويل هذا المصاب الجلل:

"بي مثل ما بك من حزن ومن جزع
وقد لجأت إلى صبر فلم أجد"

ولا يعود إلى العزاء بمعناه المعروف لدينا إلا في البيت قبل الأخير والدعاء بالجلد:

"يا مفردا بات يبكي لا معين له
أعانك الله بالتسليم والجلد"

فدعا له في النهاية بما رفض أن يوصيه به في البداية، ولكن بعد أن هيأ نفسية المتلقي ولم يهون من أساه، فكأنما انتقل به من الصدمة إلى الغضب إلى التقبل في هذه الأبيات القلائل.

تاريخ النشر 15-02-2022