يعرف الماوردي الأرض الميتة بأنها "كل ما لم يكن عامرًا ولا حريماً لعامر، وإن كان متصلاً بعامر". وفي هذا الحديث يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "مَن أحيَا" بالزراعة والعمارة ونحوهما "أرضًا مَيْتةً" فهي له بدون إذن إمام أو سلطان، "وليس لعِرْقٍ ظالمٍ حقٌّ" أي ليس لشخص أن يبني في أرض أحييت من قبل غيره ليأخذها منه بهذا الفعل ويظلمه.
أما قواعد الإحياء فلخصها الماوردي بكون البناء قويا ومتينا ومسقفا، أي اكتمال الشخصية البصرية للمبنى. وأن تكون المواد قوية ومعمرة كالحجر واللبن والطابوق. ويشترط كذلك إبقاءه صالحا للاستعمال للحفاظ على المنفعة المرجوة من الإحياء كجزء من عملية التنمية المستدامة للأرض. فإذا اكتملت هذه الشروط كمل الإحياء، ومَلك المُحيي الأرض.
تمثل العمارة في عصرنا الحديث حياة الأرض وحاملة هذه المسؤولية العظيمة ولو أصبحت ملكيتها رمزية. ومن المدهش إنَّ المبدأ الفلسفي خلف حديث الرسول عليه الصلاة والسلام أصبح الآن وسيلة حديثة للتعامل مع الأزمات البيئية العالمية، حيث إنه صار في مقدمة الاستراتيجيات المعمارية للاستفادة من الأبنية المعمارية القائمة عبر ما يسمى اصطلاحًا Rehabilitation & Adaptive Reuse "إعادة الإحياء والتكييف" مما يدل على وعي عميق بأهمية العلاقة المحلية بين المجتمع والبيئة في إعمار الأرض وتنميتها.
يعرف المجلس الدولي للمعالم والمواقع (الأيكوموس) إعادة الإحياء كأي فعل أو عملية تجرى لإعادة مكان إلى حالة منفعة إقتصادية وإجتماعية من خلال الإصلاح أو التغيير الذي يجعل من الممكن إدخال استخدام معاصر فعال مع الحفاظ على أجزاء أو ميزات الممتلكات ذات الأهمية التاريخية والمعمارية والثقافية. عند النظر لجوهر حديث الرسول عليه الصلاة والسلام يتضح بأنه يعكس فلسفة مشابهة من ناحية التركيز على إدامة المنفعة العامة وإعادة الإحياء والتكييف والابتعاد عن الهدم والهجر وغيرها من السياسات المضرة بالبيئة (وبالنسيج الاجتماعي و والذاكرة الجمعية للأمكنة)
المصادر:
1 الحديث: https://www.dorar.net/hadith/sharh/126813
2 الماوردي، أبو الحسن علي بن محمد، الأحكام السلطانية والولايات الدينية، ص 177.
✍🏼 فاطمة المقدادي - معمارية وباحثة
@fatimah.almuqdadi
••••
أصدقاء ضاد: سلسلة جديدة من المنشورات سنخصصها لعرض مساهمات أصدقاء صفحة ضاد الأعزاء. هدفنا طرح مواضيع متنوعة من وجهات نظر مختلفة وتسليط الضوء على شعراء وكتاب وباحثين ومهتمين بالشؤون الثقافية والفكرية من جميع أنحاء الوطن العربي.