وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ

تلّه: صرعه على الأرض. وقيل معنى (تله) :صرعه على التل. كقولك: تربه: أسقطه على التراب، وقيل: أسقطه على تليله (أي عنقه)، والمتل: الرمح الذي يتل به (يصرع به)

الجبين: أحد جانبي الجبهة.

قالوا: كان ذلك بمشورة الولد، حتى لا يرى أبوه وجهه ساعةَ يذبحه، فتأخذه الشفقة به، فلا يذبح، وكأن الولد يُعين والده ويساعده على إتمام الأمر، وهكذا ظهر الاستسلام واضحاً، فالولد مُلقىً على الأرض، والوالد في يده السكين، يحاول بالفعل ذَبْح ولده، وأيّ ولد؟ ولده الوحيد الذي رُزِق به على كِبَر. والابتلاء ليس بأن يموت الولد، إنما أنْ يذبحه أبوه بيده، لا بشخص آخر، ويذبحه بناءً على رؤيا لا أمر صريح لذلك قلنا ابتلاء مركَّب، لأن وجوه الابتلاء فيه متعددة، قد اجتاز إبراهيم وولده هذا الابتلاء بنجاح، واستحق عليه السلام أن يقول الله في حقه:{ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً } [النحل: 120]. نقول: لما وصل إبراهيم وولده إلى هذه الدرجة من الاستسلام لله، ناداه الله { وَنَادَيْنَاهُ أَن يٰإِبْرَاهِيمُ } [الصافات: 104] وكأن الله كان معهما يرقب هذا الانقياد من عبدين صَدَقا مع الله، فجاءهما فرج الله { وَنَادَيْنَاهُ أَن يٰإِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ ٱلرُّؤْيَآ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْبَلاَءُ ٱلْمُبِينُ } [الصافات: 104-106]. يعني: ارفع يدك يا إبراهيم عن ذبح ولدك الوحيد، فما كان الأمرُ إلا بلاءً مبيناً، أي: واضح قاسٍ عليك أنت وولدك، وهو مبين لأنه يُبين قوة عقيدة إبراهيم - عليه السلام - في تلقِّي الأمر من الله، وإنْ كان صعباً وقاسياً، ثم الانصياع له والطاعة، وكذلك كان البلاء في حَقِّ ولده الذي خضع وامتثل. وجاء الفداء: { وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ } [الصافات: 107] ذبح بمعنى مذبوح، وهو الكبش الذي أنزله الله، فِداءً لإسماعيل. (المصدر: خواطر الشعراوي)

تاريخ النشر 19-07-2021