بعد سنوات من التشويه والأكاذيب والافتراءات على الحزب وقادته وسيده، تنقشع الأوهام عن عيون الكثيرين ممن صدّقوا ذلك بحسن نيّة أو بسبب الغشاوة الطائفية أو لشدة سطوة الباطل. ما الواجب على الإنسان الذي هذا حاله؟ والذي استُغفِل حينًا ثم أكرمه الله بأن رأى الحق حقًا؟
يمكننا أن نستقي ذلك من الكتاب العزيز. يقول تعالى:
إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ ۙ أُولَـٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَـٰئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ ۚ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (البقرة: 159-160)
الكلام هُنا سياقه المباشر عن بني إسرائيل وكتمان كلام الله. ولكنه يصِف حالة سلوكية معينة تتلبّس كثير من الناس، أن تكون لديه معرفة معيّنة ثم لا يقوم بحقها من التبيين. هؤلاء توبتهم من نوع خاص. هذه هي التوبة الوحيدة في القرآن الذي أتبعها الله بضرورة التبيان، أو الكشف عما كتموه.
يقول السعدي في تفسير هذه الآية “لا يكفي ترك القبيح حتى يحصل فعل الحسن”، أي أنك إن اتبعت الضلال حينًا وصرت كاتمًا للحق أو معاندًا له، لا يكفي فقط أن تتوقف عن ذلك. نعم أنت كفيت الناس شرّك ولكن لكي تنتقل إلى صف الخير لا بد من مبادرة من داخلك.
تخيّل أنك الآن تلقى الله وخصيمك أمامه جمع من المـقـ.ـاومين، أو قائد من قادتهم وإمام من أئمتهم، وتُفتح صحيفتك على رؤوس الأشهاد وتجد فيها أنك قد لمزته أو سخرت منه أو شاركت الأكاذيب عنه، وماذا تفعل وقد وجدت عملك حاضرًا وأعيدت على مسامعك كل كلمة أو تغريدة أو منشور مسيء في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها؟ وكيف بك وقد حملت أوزارًا مع أوزارك بسبب من تابعوك وصدقوك وأيدوك على ما فعلت؟
ظلمك لهؤلاء لا يمحوه إلا رد المظلمة، أي التبيين لمواقفك السابقة وكيف ضللت الطريق، ثم ما جعلك ترى الحقائق، والتبرؤ من قنوات الدجل وأئمة الخنوع الضالين المضلين الذين {يلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُون}.
تغيير موقفك بصمت بين ليلة وضحاها لا يكفي، وإنما عليك أن تُصلح وتبين لكي تنال وعد الله بالرحمة، وتصبح أهلًا لقوله تعالى: {فَأُولَٰئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}