الرسول ﷺ كان يعاني ما يعانيه ليس فقط من الكفار والمشركين والمنافقين الخلّص بل كان يعاني حتى من فئة الذين أسلموا والذين آمنوا والذين ينتسبون إليه. فالقرآن يتضمن كثير من التحذيرات للمسلمين الأوائل بشكل يختلف عن الصورة التي اعتدناها لوحدة الصف والامتثال الكامل لأوامر الله. وهذه نقطة في غاية الأهمية؛ فهي تبين لنا أن الإيمان والإسلام من ناحية، والكفر والشرك من ناحية أخرى، درجات متفاوتة، وليست كما يصورها البعض أنها تصنيفات أحادية واضحة الملامح.
المسلم إذًا ليس بمأمن من الكفر من حيث يعلم أو لا يعلم، لأن الكفر هو الجحود والصد عن الحقيقة بعد وضوحها والكفر المحذر فيه في القرآن الكريم أشمل وأعمق من عبادة الأصنام. فهناك من يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض وهناك من "آمَنوا ثُمَّ كَفَروا ثُمَّ آمَنوا ثُمَّ كَفَروا"ـ والإسلام درجات كذلك، إذ يقول تعالى: "قالَتِ الأَعرابُ آمَنّا قل لَم تُؤمِنوا وَلٰكِن قولوا أَسلَمنا وَلَمّا يَدخُلِ الإيمانُ في قُلوبِكُم". في هذه الآية نرى أدنى مستويات الإسلام، مقارنة بإسلام النبي إبراهيم الذي كان "حَنيفًا مُسلِمًا".
والآيات المعروضة في هذا المنشور (ويوجد غيرها الكثير) تعتب على الذين آمنوا لأنهم كانوا يقولون ما لا يفعلون، ويتخذون الكفار أولياء، ويلقون ويسرون إليهم بالمودة، ويطيعونهم، ولا ينفرون في سبيل الله...ويحمدون الله أنهم لم يشهدوا المعارك!
ولهذه الأسباب وغيرها يقول سبحانه وتعالى: "أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُواْ أَن يَقُولُواْ آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ". فليس الإيمان كلمة تلفظ، ولكنها فكر وموقف وشعور وعاطفة تجيش في القلب وثبات على الحق في مواجهة الباطل.
الإيمان ليس خطوة واحدة، بل عمل وجهاد مستمر ما دام الإنسان حيًا.