هناك مقاربة مفيدة في فهم سبب نجاح حركات المقـ/ومة الكبرى في المنطقة، ما السر الذي يجعل هذه الحركات شديدة التمسّك بأهدافها الكبرى، وفي نفس الوقت شديدة المرونة في التعامل مع الواقع؟ وكيف نفهم الاختلاف في قرارات القادة (حتى أن بعض الناس قد يشعر بالتناقض فيها)؟ الإجابة في هذه الفكرة: "إنسان بعمر 250 سنة".
عندما يتحدث كبار علماء مدرسة أهل البيت (ع) عن التكامل بين دور الأئمة في الميدان السياسي والجهادي، فهم يقولون إن العلاقة بين كل إمام والأئمة الآخرين هي "تنوع أدوار ووحدة هدف"، بمعنى أننا لو افترضنا أن كل إمام شهد نفس الظروف التي شهدها الآخرين، لاتخذ نفس قراره واتبع نفس سبيله. وهذه الفكرة لخصها الإمام الخامنائي في عنوان كتابه "إنسان بعمر 250 سنة" (ويشير في ذلك إلى المُدّة من وفاة النبي صلى الله عليه وآله سنة 11 هـ حتى غيبة الإمام الثاني عشر سنة 260 هـ). وكان السيد محمد باقر الصدر قد ضرب لذلك مثالًا، بأن الحسن لو وُضِع في نفس ظروف الحسين لخرج على يزيد، ولو وضِع الحسين في نفس ظروف الحسن، لقبل الصلح، عليهما أفضل السلام.
هذه الوحدة التامّة تعني أن الهدف الواحد، إعلاء كلمة الله والقيام بواجب خلافة الإنسان في الأرض بأتم معانيها، يتطلب قراءة واعية للأحداث، والتصرف حسبما تملي الظروف والإمكانات بشكل واقعي، وتحديد الأهداف بعيدة المدى ثم السعي إليها دون كلل أو ملل.
"كل إمام له تكتيكات ومواقف موضعية خاصة خلال حركته البعيدة المدى... وقد يجد أنه من الضرورة أن يسرع في حركته تارة وأن يبطئ تارة أخرى أو حتى أن يتراجع تراجعًا حكيمًا في مواضع أخرى والإنسان العاقل والحكيم والعارف سيرى في هذا التراجع (بالنظر للهدف الأسمى) حركة وتقدمًا نحو الأمام"
وبالمثل، سنجد أن محور المقـ/ومة قد حدد قضية التحرير والقضاء على المشروع الصهيو-أمريكي كهدف أسمى يسعى إليه ليل نهار مهما تآمرت قوى الأرض جميعًا. وفي سبيل هذا الهدف تتعدد الأدوار وتختلف الوسائل والاستراتيجيات، وتختلف الأجيال أيضًا والقادة، ولكل مرحلة متطلباتها. وهذا أيضًا يفهمنا سبب الثبات الكبير حتى بعد رحيل القادة رحمهم الله، والانضباط الكبير عند البيئة الحاضنة في السلم والحرب وقدرتهم على الصمود.
البعض قد ينجرّ إلى المقارنات الشخصية بين القادة بقلة وعي، ويظن أن كل قائد يجب أن يأخذ نفس القرارات بالضبط وإلا يكون قد غيّر وبدّل، والصحيح أن كل قيادة تتخذ قرارها في ضوء واقع الميدان، وهم أدرى به، ولكن البوصلة واحدة لا تتغيّر أبدًا هي القُدس كرمز لتحرير الأمة كلها.