the banality of evil
تفاهة الشر

كم السب والشتم والكذب والحقد والكراهية والتضليل على مواقع التواصل الاجتماعي صار مهولاً، ولم يعد كل ذلك يبدر فقط من أناس مجهولي الهوية أو ما يطلق عليهم بـ"الذباب الإلكتروني"، بل من أشخاص حقيقيين.. عاديين.. يشبهوننا في الاهتمامات اليومية ولكن تظهر الأزمات جانبًا سوداويًا من تفكيرهم يجعلك تتساءل: هل يضمر هؤلاء فعلًا كل ذلك الشر الذي يتفوهون به؟

لعل تحليل الفيلسوفة الألمانية حنا آرندت في كتابها "تفاهة الشر"(the banality of evil) يجيب على هذا التساؤل.

الكتاب يناقش تحديدًا محاكمة أدولف أيخمان، أحد كبار المسؤولين في النظام النازي، ولكن يمكننا تعميم النظرية والاستنتاجات التي توصلت إليها آرندت وإسقاطها على واقعنا اليوم.

تقول آرندت أنه يمكن للمرء أن يرتكب الشر دون أن تكون نواياه شريرة.. فهو قد يكون مجرد شخص أبله وجاهل وضحل ينجرف وراء المناخ العام والمنظومة السياسية أو الاجتماعية أو الحزبية الفاسدة التي وجد نفسه فيها، وربما كان دافعه الوحيد هو تعزيز مساره المهني والاجتماعي في هذه المنظومة دون أن تكون لديه عقيدة أيديولوجية عميقة. وبالتالي فهذه البلاهة تفقده القدرة على التفكير المستقل أو التفكير من وجهة نظر شخص آخر. ونظرًا لافتقاره إلى هذه القدرة المعرفية وتبعيته العمياء، تجده يتصرف دون إدراكٍ لخطورة أقواله وأفعاله.

هذا النموذج من البشر مجرّد "مسخ" تفرزه الأنظمة الشموليّة (والمجتمعات الطائفية والقبلية المتطرفة) التي تسلب الإنسان إنسانيته وتفكيره وتجعل منه ترسًا في آلة صعب تفكيكها.

أي أنك إذا ترعرعت في بيئة تسودها مناهج تعليمية وقنوات إعلامية ومؤسسات دينية ونخبة "مثقفة" تعيد وتكرر الاسطوانة نفسها على مسامعك منذ أن فتحت عينك على هذه الدنيا، فكيف لك أن تعرف غير ذلك إلا بشق الأنفس؟؟

هنا تأتي المسؤولية الفردية لكل شخص في إعادة تصويب بوصلته الفكرية والأخلاقية، وهو ما يشير إليه قوله تعالى {كل نفسٍ بما كسبت رهينة}

تاريخ النشر 13-08-2020